وكالة برنا للأنباء - الإعاقة ليست علامة على العجز المطلق، بل هي شكل آخر من أشكال العيش؛ عيشٌ يصبح صعبًا عندما تقترن الإعاقة بعوائق بيئية واجتماعية وثقافية، لا بسبب محدودية الجسد، بل بسبب محدودية نظرة المجتمع. ويأتي اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ليكون فرصة لإعادة النظر في هذه النظرة؛ نظرة يجب أن تتحوّل من الشفقة إلى الاحترام، ومن التجاهل إلى الاعتراف بالحقوق.
اليوم، يتحدّث العالم عن الحقوق، والكرامة، وتكافؤ الفرص، والمشاركة الاجتماعية لملايين البشر الذين عاشوا طويلًا مع تحديات مضاعفة؛ ليس فقط مع الإعاقات الجسدية أو الذهنية، بل مع الجدران غير المرئية للتمييز، وغياب الوصول، وعدم المساواة.
أُعلِن اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة عام ١٩٩٢ من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويهدف هذا اليوم إلى رفع مستوى الوعي العام بقضايا الإعاقة، وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشجيع الدول على توفير فرص متكافئة لهم في جميع مجالات الحياة؛ من التعليم والعمل إلى الصحة، وإمكانية الوصول العمراني، والمشاركة السياسية.
ترى الأمم المتحدة هذا اليوم ليس مجرد مناسبة رمزية، بل إطارًا عمليًا للتحرك والتغيير. ففي كل عام، يُخصص موضوع عالمي لتسليط الضوء على أحد أبرز تحديات ذوي الإعاقة، مثل التقنيات المساعدة، أو العدالة الاجتماعية، أو الوصول الرقمي.
وفي جوهر هذه المناسبة، تقف فلسفة واضحة: الإعاقة ليست شأنًا فرديًا فقط، بل قضية اجتماعية. فالمجتمع الذي لا يهيّئ بيئته، هو في حدّ ذاته مجتمع يُنتج الإعاقة.
وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يعيش أكثر من مليار شخص حول العالم مع نوع من أنواع الإعاقة، أي ما يعادل نحو ١٥٪ من سكان العالم. وتوجد النسبة الأكبر من هؤلاء الأشخاص في الدول النامية، حيث يواجهون الفقر، والبطالة، والتمييز، وضعف الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية.
يتعرّض الأشخاص ذوو الإعاقة في كثير من المجتمعات لمخاطر اجتماعية أكبر من غيرهم؛ إذ ترتفع معدلات البطالة بينهم، وتنخفض فرص التعليم، وتزداد كلفة الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن هذه الفئة تمتلك طاقات هائلة من المواهب، والإبداع، والقدرات التي يمكن أن تسهم بفاعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذا ما توفرت لها الفرص العادلة.
ويأتي اليوم العالمي لذوي الإعاقة ليذكّر بهذه الحقيقة المزدوجة: حجم الحرمان من جهة، وضخامة الإمكانات الكامنة من جهة أخرى.
من أكبر التحديات في مجال الإعاقة، سيطرة النظرة القائمة على الشفقة بدلًا من النظرة القائمة على الحقوق. فالأشخاص ذوو الإعاقة، قبل أن يكونوا بحاجة إلى التعاطف، هم بحاجة إلى حقوق متساوية في التعليم، والعمل، والتنقل، والمشاركة الاجتماعية، وصنع القرار.
التمكين يعني خلق بيئة تمكّن الفرد من أن يعيش باستقلالية، ويعمل، ويتخذ قراراته، ويشارك في المجتمع بفاعلية. ولا يتحقق هذا التمكين من خلال المساعدات المالية وحدها، بل عبر تهيئة المرافق العامة، وتعديل القوانين، والتوعية المجتمعية، وتغيير الثقافة السائدة.
فالمجتمع الذي يهمّش الأشخاص ذوي الإعاقة لا يظلمهم وحدهم، بل يُقصي جزءًا مهمًا من طاقته الإنسانية. ومشاركة هؤلاء تعني إثراء المجتمع بتنوع الخبرات، والرؤى، والإمكانات.
في إيران، كما في كثير من دول العالم، يعيش ملايين الأشخاص مع أشكال مختلفة من الإعاقة. وخلال السنوات الماضية، اتُّخذت خطوات لتحسين أوضاعهم، من بينها إقرار قانون دعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوسيع مراكز التأهيل، وتطوير البرامج التعليمية والتدريب المهني.
ومع ذلك، تبقى تحديات كبرى قائمة؛ من ضعف تهيئة المرافق العامة، وصعوبات التوظيف، ومحدودية الوصول إلى الخدمات التعليمية والطبية، إلى استمرار بعض النظرات التمييزية في المجتمع.
ويمثل اليوم العالمي لذوي الإعاقة فرصة لمراجعة صادقة لهذا المسار: إلى أي حدّ تحولت القوانين إلى واقع ملموس؟ وكم من الحقوق ما زال حبيس النصوص؟
اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ليس يوم شعارات واحتفالات فقط، بل هو يوم للمطالبة بالحقوق: مدينة بلا عوائق، مدرسة بلا تمييز، عمل بلا أحكام مسبقة، وإعلام بلا صور نمطية.
هذا اليوم يذكّرنا بأن الإعاقة جزء من التنوع الإنساني، لا نقطة ضعف في الإنسان.
فالمجتمع القابل للعيش للجميع هو المجتمع الذي يرى الأشخاص ذوي الإعاقة في صميم الحياة، لا على هامشها.
والمساواة تبدأ بالقانون، لكنها لا تكتمل إلا عندما تتحول إلى ثقافة راسخة في وعي الناس.
إن اليوم العالمي لذوي الإعاقة هو دعوة لبناء عالمٍ لا يُقصى فيه أحد بسبب اختلافه، بل يُحتضن بوصفه جزءًا أصيلًا من الإنسانية.