الرئيس الإيراني في حوار خاص مع الجزيرة

بزشكيان: مستعدون لمفاوضات شفافة وعادلة في إطار القوانين الدولية

|
۲۰۲۵/۰۷/۲۴
|
۰۱:۲۴:۰۱
| رمز الخبر: ۱۲۸
بزشكيان: مستعدون لمفاوضات شفافة وعادلة في إطار القوانين الدولية
برنا – القسم السياسي: في مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة، أكد الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان استعداد بلاده للتفاوض في إطار القوانين الدولية، معتبراً العدوان الأخير للكيان الصهيوني محاولة لخلق الفوضى وتقسيم المنطقة. وشدّد على أن الجمهورية الإسلامية لن تتخلى أبداً عن برنامجها النووي السلمي، وستردّ بحزم على أي اعتداء.

وأفادت وكالة برنا للأنباء، أنّ مسعود بزشكيان، في حوارٍ مع قناة الجزيرة، أجاب على أسئلة مقدّم البرنامج حول العدوان الأخير للكيان الصهيوني على بلادنا، واحتمال تكرار هذا العدوان، وموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الحوار، والمواضيع والخطوط الحمراء لإيران في المفاوضات، إضافةً إلى تأثيرات العدوان الصهيوني على المجتمع الإيراني، ونهج إيران لإرساء إطار أمني إقليمي.

النص الكامل لهذا الحوار جاء كالتالي:

المذيع: نحن الآن في حوار خاص مع رئيس جمهورية تعرّض قبل أسابيع قليلة فقط لمحاولة اغتيال؛ وهي عملية قالت مصادر رسمية إنها كانت من تخطيط الكيان الإسرائيلي.

بزشكيان: بسم الله الرحمن الرحيم. أولًا أوجّه سلامي إلى شعبنا العزيز الذي يسمع صوتنا ويرى صورتنا. ما حدث قبل أسابيع كان عدوانًا صهيونيًا على بلادنا، عملاً تمّ عبر انتهاك كل القوانين الدولية. هذه الحادثة، بالنسبة لي كطبيب أصبح اليوم مسؤولًا عن قيادة البلاد، كشفت لي أنّه في سلوك الكيان الصهيوني والقوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، لا قانون ولا إطار يُعتدّ به. إنهم بكل بساطة قادرون على انتهاك كل القوانين، اقتحام بيوت الناس، واستهداف أماكن لا يحق لهم المساس بها بموجب هذه القوانين نفسها.

الادعاءات التي يروّجون لها حول الدبلوماسية وحقوق الإنسان، لا قيمة لها عندهم عمليًا، ويمكنهم أن يتجاوزوا كل هذه المفاهيم بسهولة. وإذا تمكّنوا، فهم مستعدّون لإزاحة أي شخص يقف في طريق تحقيق أهدافهم.
لكن ما يريده الله سبحانه وتعالى ليس ما يريدونه هم، فالله رسم لبلدنا وسيادتنا ومسارنا طريقًا يقود إلى العزّة والكرامة، ومسيرتنا يقينًا مرتبطة بالإرادة الإلهية.

في ذلك الاعتداء، ظنّوا أنهم سيتمكّنون أولًا من استهداف قادتنا العسكريين، ثم اغتالوا علماءنا، وفي النهاية سعوا إلى إيذاء السياسيين أيضًا ليدفعوا بلدنا إلى الفوضى حسب زعمهم. لكن الله لم يشأ ذلك، وإرادته تعلو فوق كل مخطّط وتآمر.

المذيع: برأيكم، هل كان الهدف الرئيسي من هذه العملية هو اغتيال شخص رئيس الجمهورية الإيرانية فقط، أم أنّها كانت تسعى إلى ما هو أبعد من ذلك، كالإطاحة بالنظام الإسلامي برمّته؟

بزشكيان: بطبيعة الحال، ما ترونه هو أنّ أمريكا، في عهد ترامب، كانت تقول صراحةً إنّه لا ينبغي لإيران أن تمتلك سلاحًا نوويًا. وما يقومون به اليوم من حملات دعائية واسعة وحملات إعلامية على المستوى الدولي هو تخويف العالم والمنطقة ودفع العقول إلى الاعتقاد بأنّ إيران تهديد، وأنّها تريد إنتاج سلاح نووي، وأنّها تسعى إلى نشر الفوضى في المنطقة.

بينما الحقيقة أنّنا ضحايا الإرهاب ولسنا البادئين بانعدام الأمن. الكيان الصهيوني هو الذي كان دائمًا مصدر الحروب والتوتر وانعدام الاستقرار في المنطقة، وارتكب المجازر وفق السياسات والمخططات التي كان يحملها منذ زمن، نفس المخطط الذي يهدف إلى السيطرة من النيل إلى الفرات.

في سياستنا، وفي خريطة طريق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكن ولن يكون هناك تفكير من هذا النوع. نحن دائمًا احترمنا سيادة ووحدة أراضي جميع الدول الإسلامية وحتى غير الإسلامية. لم نكن أبدًا البادئين بأي حرب؛ كنا دائمًا ندافع عن أنفسنا فقط.
لكن إذا امتلك الكيان الصهيوني المزيد من القوة، فلن يستهدفنا نحن فقط، بل سيستهدف جميع الدول الإسلامية لتحقيق نواياه الخبيثة، وقد أثبت ذلك عمليًا.

سوريا كانت دولة دخلت في حوار معهم، بل حتى تفاوضت مع أمريكا، لكن السؤال: لماذا تُهاجَم سوريا؟ لماذا تُسوّى أراضي سوريا بالأرض؟ هل يملكون الحق في ذلك؟

العالم الذي يرى كل هذه الأحداث يجب أن يسأل: بأي قوانين دولية تُرتكب هذه الفظائع ضد شعوب فلسطين وغزة وسوريا وحتى إيران؟ وإذا توقفت هذه الأفعال عندنا اليوم، هل ستتوقف غدًا؟ كونوا على يقين أنّهم إذا حققوا أهدافهم، فسيعتدون على بقية الدول الإسلامية أيضًا. هذا ما أستشعره بكل وضوح.

المذيع: اسمح لي أن أطرح سؤالًا مباشرًا، دكتور. كثيرًا ما طُرِح هذا التحليل بأن الهدف الأساسي من هذه الحرب، على الأقل من منظور إسرائيل وليس بالضرورة أمريكا، هو الإطاحة بالنظام الإسلامي في إيران. هل هذا التحليل هو الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ أم يجب اعتباره مجرّد قراءة إعلامية أو تحليل نخبوي؟

بزشكيان: انظر، لا شكّ أنّ الكيان الصهيوني يسعى إلى تفتيت القوى في المنطقة. قضية السلاح النووي، والتهديدات، وما شابه ذلك، كلّها مجرد ذرائع. ما الذي كانوا يتصوّرونه عندما استهدفوا مراكزنا الأمنية؟ لماذا قصفوا منشآت المياه في طهران لحرمان الناس من المياه؟ لماذا قصفوا السجون؟ ما ذنب السجناء؟ وأيّ طرف في هذا الصراع كان هؤلاء المدنيون الذين تواجدوا هناك حتى يُستهدفوا؟

من وجهة نظري، الهدف الأساسي كان خلق الفوضى والتوتر داخل البلاد؛ قصف من جهة، واغتيال قادة من جهة أخرى، ظنًّا منهم أنّ إيران ستُشلّ دفاعيًا، وأنّ الشعب سيتحرك بعدها للاحتجاج. وفي الوقت ذاته، ستنهض القوميات في كل منطقة وتطالب بحكم ذاتي.

لكنهم غفلوا عن أنّ كل من يعيش على هذه الأرض مرتبط بإيران ومستعد للتضحية بروحه دفاعًا عنها. أنتم تعرفون جيدًا أنّ لدينا في بلدنا استياءً شعبيًا، نعم هناك مواطنون غير راضين؛ بسبب بعض السياسات والأخطاء في تعاملاتنا. حتى أولئك الذين كانوا في السجون، والذين كانت لهم خلافات معنا، خلال هذا العدوان الذي ارتكبه الكيان الصهيوني وأمريكا، دافعوا بكل ما لديهم عن البلاد، ودافعوا عن إيران وأدانوا الهجوم.

حتى لو لم نحقّق أي مكسب في هذه الحرب، يكفينا أنّها وحّدت الشعب في الدفاع عن وحدة أراضيه، وهذا أعظم مكسب لنا.

أما الكيان الصهيوني، فماذا يريد اليوم في سوريا؟ يريد تقسيمها. وماذا يريد في فلسطين؟ يريد طرد أهلها من أرضهم. الفظائع التي تحدث هناك دليل على هذه النوايا. وإذا حان الوقت لتحليل ذلك، يجب أن نتحدث أيضًا عن لبنان وما يخططون له هناك.

المذيع: برأيكم، هل يسعى الكيان الصهيوني إلى تقسيم إيران أيضًا؟

بزشكيان: ليس فقط في إيران، بل أعتقد أن رؤية الكيان الصهيوني أوسع من ذلك بكثير. أليست شعاراتهم “من النيل إلى الفرات”؟ كيف يريدون تحقيق مثل هذا الهدف؟ طبيعي أن يقوموا بإضعاف هذه الدول، وإبقائها في حالة ضعف دائم، ثم التقدّم وفق مخططاتهم. كل يوم يمارسون العدوان، وفي الوقت نفسه يتظاهرون على المستوى الدولي بأنهم ضحايا ويدافعون عن أنفسهم، بينما في داخل المنطقة يمارسون كل أنواع العدوان والعنف.

انظروا إلى غزة. ما ذنب الأطفال الأبرياء؟ إنهم يموتون جوعًا. أين هي هذه المنظمات الدولية، وأين هي حقوق الإنسان التي تمنع وصول الماء والغذاء إلى النساء والأطفال أمام أعين العالم؟ هل هؤلاء تهديد للصهاينة؟ هل هم عسكريون؟ هل ينوون الحرب؟ إنهم فقط في أرضهم. أي قانون يسمح بمثل هذا السلوك؟ أي إنسانية تبرّر هذا التعامل؟

أنا حقًا أشعر بالخجل؛ إذا كان لدى الإنسان ذرة من الإنسانية، فلن يقبل أن يعامل حتى الكائنات غير البشرية بهذه الطريقة التي يعامل بها الكيان الصهيوني البشر اليوم. أمام أعين العالم يقتل النساء والأطفال. أنتم تعرفون ذلك أكثر منّي. أنتم تبثّون الصور. طفل يموت من الجوع، لكن بأي قانون يمنعون وصول الماء والغذاء إليه؟ يقتلون الصحفيين؛ هل هذه دفاع عن النفس؟
هذا الكيان دمّر الدبلوماسية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل المبادئ الدولية المتعارف عليها.

لماذا يجب أن نقاتل بعضنا البعض؟ لماذا علينا أن نحارب؟ في الانتخابات، كان لدينا شعار واحد: الوحدة، التماسك الداخلي، والإيمان بأنّ إيران ملكٌ لكل الإيرانيين، لا لفصيل واحد ولا لمجموعة معينة. وفوق ذلك، نؤمن أننا مع دول الجوار إخوة. يمكننا أن نعيش بسلام ووئام إلى جانب بعضنا البعض.

في كردستان، نحن وأكراد ما وراء الحدود أقارب. في أذربيجان، الأذريون على جانبي الحدود أقارب. في تركمانستان وأفغانستان وباكستان كذلك. نحن جميعًا من جذور واحدة. صحيح أنهم رسموا حدودًا، لا مشكلة؛ الحدود تبقى في مكانها، لكننا إخوة وأخوات. ديننا، إيماننا، معتقداتنا مشتركة. لا حاجة أبدًا لأن نحارب بعضنا. يجب أن نساعد بعضنا في القضايا الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية والثقافية. هذا هو إيماننا.

لكن الكيان الصهيوني ليس كذلك. إنه ورم سرطاني. وُلد منذ البداية عبر العدوان واحتلال أراضي المسلمين، وما زال لا يكتفي بما اغتصبه. كل يوم يريد المزيد، وحجته دائمًا أن الآخرين يهدّدونه. لكنه في الحقيقة هو الذي طرد الناس من أرضهم ثم يقول إنهم تهديد. إذا طُرد شخص من بيته، ماذا يجب أن يفعل؟ يقول: تفضلوا، وداعًا، أنتم على حق؟ هذه هي النوايا الحقيقية للكيان الصهيوني.

أريد أن أعود إلى تلك الحرب التي بدأت. رأينا بوضوح أن هذه الحرب بدأت بهجوم واسع من إسرائيل؛ باغتيال العسكريين في إيران ثم مهاجمة المراكز العسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية، إلى درجة أن أماكن تواجد المدنيين أيضًا استُهدفت. وفي النهاية وصلنا إلى تلك الجلسة التي كنتم أنتم فيها؛ جلسة مع كبار مسؤولي النظام، حيث حاولوا اغتيال الشخصيات السياسية في البلاد أيضًا.

المذيع: هنا تبرز مسألة خطيرة؛ سواء في الداخل أو الخارج، وهي اختراق إسرائيل. هناك من يعتقد أن إسرائيل نجحت في اختراق الداخل الإيراني، أو بمعنى آخر نجحت في “حرب الظل”. كيف تقيّمون هذا الموضوع، خاصةً وأن بعض مسؤولي الجمهورية الإسلامية قالوا بالفعل نعم، هناك اختراق ونحن نسعى لمنعه؟

بزشكيان: ما تصفه بالاختراق بطبيعة الحال ليس موضع شك. كل الحكومات في كل الدول لديها شبكات تجسس، هذه قاعدة معروفة. أنتم تعلمون جيدًا أنه قبل سنوات قليلة حتى مكاتب رؤساء دول أوروبية كانت تُتنصّت عليها من قبل أمريكا.
لكن السؤال اليوم، كيف وقعت مثل هذه الكارثة؟ من وجهة نظري الموضوع ليس فقط الاختراق بحد ذاته، بل العامل الأكثر تأثيرًا هو التكنولوجيا.

التكنولوجيا التي نمتلكها أحيانًا بوعي وأحيانًا بدون وعي ونحملها معنا دائمًا. كما حدث في لبنان مع أجهزة البيجر؛ استخدموا أداة كانت بيد الناس وفجّروها متى أرادوا.
هذه الهواتف المحمولة التي بين أيدينا، يمكنها بسهولة تتبّع عادات البشر، أماكن راحتهم، تحركاتهم ونمط حياتهم، ثم بناءً على هذه البيانات ينفذون مخططاتهم الخبيثة. إذن، ليست مسألة اختراق فقط ما جعل هذه الأحداث ممكنة، بل هي التقنيات التي يمتلكونها وتُدار في النهاية من قبل أمريكا والقوى الكبرى.

هذه الأدوات تمكّنهم من القيام بأشياء كانت في الماضي تتطلب مئات العناصر البشرية. اليوم بهذه التكنولوجيا يقومون بما نشهده الآن. لكن يجب أن أعود إلى صلب الموضوع: إذا كان هؤلاء بشرًا ولديهم ذرة إنسانية، إذا كانت لديهم مشكلة معي، فما ذنب عائلتي؟ بأي قانون دولي يُسمح بقتل عائلة أو حي كامل من أجل شخص واحد؟

هذه التصرفات لا يمكن الدفاع عنها ولا تبريرها. كيف تجلس بعض وسائل الإعلام الأجنبية لتدافع عن مثل هذه الأفعال غير الإنسانية؟ كيف تدعم القوى العالمية هذه الجرائم وتزوّدهم بأدوات القتل؟ أين في العالم يمكن قبول هذا؟ إذا كان لا بدّ أن يُقتل أحد في ساحة المعركة، فليقاتلوا من يواجههم، لا النساء والأطفال الأبرياء. ثم، نفس هؤلاء الذين يرتكبون هذه الفظائع يتحدثون في الإعلام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والأطفال!

إذا حدثت حادثة في إيران وفقد شخص حياته، يستغلون تلك الحادثة الواحدة لاتهام شعب بأكمله ونظام بأكمله وبلد بأكمله بانتهاك حقوق الإنسان. نعم، إذا أخطأنا نعترف بخطئنا، ولكن هل هذا يعني أننا جميعًا فاسدون ومعادون للبشرية؟ بينما هم أمام أعين العالم يقتلون يوميًا المئات والآلاف من الناس، والعالم المسمّى متحضّرًا صامت تمامًا.

نعم، هناك اختراق، موجود في كل مكان، ولكن الأدوات والتكنولوجيا التي نراها اليوم أخطر من الاختراق نفسه. لا أحد يعلم إن كانت الأجهزة التي بيعت للدول الإسلامية ستعمل يومًا ما إذا قرر أصحابها الأصليون تعطيلها أو إيقافها. يكفي أن تكون قطعة صغيرة مزروعة فيها؛ إذا لم تكن نواياهم متوافقة مع نوايانا، سيعطّلون الجهاز عن بُعد بل ويدمّرونه أيضًا.

نحن فقط نتصوّر أنهم يعطوننا أدوات، لكن الحقيقة ليست كذلك. وهذا ما يجب أن تدركه كل الدول الإسلامية، فهم أبدًا لا يسعون بنية الخير لمساعدتنا نحن المسلمين.

المذيع: سيادة الرئيس، هناك سؤال مهم. منذ بداية الحرب وحتى الوصول إلى وقف إطلاق النار، كانت رواية الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول هذا الصراع رواية تقوم على مفهوم الانتصار. سمعنا مرارًا من المسؤولين الإيرانيين أن الجمهورية الإسلامية انتصرت في هذه الحرب.

السؤال هنا: مع كل الخسائر التي لحقت بكم، والاغتيالات التي حدثت داخل البلاد، والأضرار الاقتصادية والعسكرية والأمنية وحتى البشرية، على أي أساس تستندون في رواية الانتصار هذه؟ ما هو المعيار أو الواقع الذي يجعلكم تقولون إن إيران انتصرت؟

بزشكيان: لا يوجد حرب فيها رابح حقيقي. هل انتصروا هم؟

هم يقولون إنهم انتصروا.

دفعنا ودفع الله عنا. مرة كانوا يضربوننا، ومرة كنّا نردّ. هم أيضًا تكبّدوا نفس الخسائر التي تكبّدناها. لكن الفارق هنا، نحن لم نتصرف خارج القوانين الإنسانية، بينما هم لم يلتزموا بأي قانون بشري. نحن لم نهاجم أي بيت هناك، لم نقصف، لم ندمّر الماء والبنية التحتية المدنية، بينما هم فعلوا كل ما استطاعوا فعله. فهل يمكنهم القول إنهم انتصروا؟ نحن ضربناهم، وهم ضربونا.

لكننا من زاوية مهمة انتصرنا؛ الوحدة والانسجام الذي تحقق داخل البلاد. هذا الانسجام وهذه القوة لم تكن موجودة بهذا المستوى من قبل. فإذا نظرتم من هذا المنظور، نحن منتصرون.

من ناحية الأضرار، نعم، ألحقوا بنا أضرارًا، ونحن أيضًا ألحقنا بهم. لو كانوا يعتقدون أنهم قادرون على مواصلة الحرب حتى النهاية، لكانوا واصلوا؛ تمامًا كما يفعلون اليوم في غزة حيث يقصفون الأبرياء يوميًا، لأن هؤلاء لا يملكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم. فما ذنبهم ليُستهدفوا كل يوم؟ لماذا لا يتركونهم وشأنهم؟

إذًا ليس صحيحًا أنهم انتصروا ونحن خسرنا. هم ضربوا، ونحن ضربنا. هم تضرروا، ونحن تضررنا. لكننا حققنا إنجازًا كبيرًا، تحطيم القبة الحديدية وذلك الهالة من الرعب التي بنوها حول أنفسهم. رغم كل الدعم الذي تلقّوه من أمريكا وغيرها، لم تكن قبتهم حديدية، بل حتى القباب التي أقاموها في المنطقة بمساعدتهم لم تصمد.

وهذا إنجاز نفخر به، تحقق بقدرات خبرائنا ومهندسينا. ولهذا يعادون علماءنا، لأنهم لا يريدون أن يتقدّم الوعي والمعرفة في المجتمعات الإسلامية. هم يريدون عبيدًا، لكن المسلمين لا يخضعون لعبودية أي قوة. من يخضع لله لن يخضع لعباد الله. وهذه قناعتنا.

ما فعله الكيان الصهيوني بنا عزّز وحدتنا وتماسكنا الداخلي. حتى دول الجوار، الدول الإسلامية، أغلبها تضامنت معنا وأدانت الكيان الصهيوني بشدة؛ بصوت واحد وبشكل غير مسبوق. لم يحدث من قبل أن دول المنطقة دعمت إيران بهذه الصراحة. لأنهم كانوا يعلمون من هو المعتدي.

كنا على طاولة التفاوض. كنا نجري حوارًا. هم هاجموا بغدر. طبعًا نحن لا نرى فيهم رجولة لنقول إنهم تصرّفوا بنذالة، ولا نرى فيهم إنسانية أصلًا. هم فقط يرتدون ثوبًا زائفًا من حقوق الإنسان والإنسانية. أقل ما توجبه الإنسانية هو عدم قطع الماء والغذاء والدواء عن منطقة مدنية. أقل شيء هو ألّا يُترك طفل ليموت جوعًا. هذا من أبسط البديهيات.

المذيع: بعض الدول في المنطقة قالت إن إسرائيل طلبت منها وقف إطلاق النار. هل خلال الحرب وصلت إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية طلبات رسمية عبر هذه الدول؟ بمعنى آخر، هل فعلاً أرسلت إسرائيل عبر بعض دول المنطقة رسائل وساطة أو أبدت رغبتها في وقف إطلاق النار تجاه إيران؟

بزشكيان: الكيان الصهيوني شنّ هذا الهجوم بإذن من أمريكا. من وجهة نظري، من دون إذن أمريكا لم يكن ليستطيع الإقدام على مثل هذا العمل أبدًا. لذلك عندما قالت له أمريكا “توقف”، تراجع.

أما القبة الحديدية التي روّجوا لها طوال هذه السنوات، فقد فقدت تلك الصورة التي بنوها عنها. منذ أن احتل الكيان الصهيوني تلك الأرض وحتى اليوم، من الذي تمكن من ضرب القدس أو مدنهم الرئيسية؟ لا أحد. لكن تلك الهيبة الآن تحطمت.

حتى لو كانت رصاصة واحدة فقط، المسألة تتجاوز الأرقام والإحصاءات. في السابق كانوا يمنعون الصحفيين من رؤية أي شيء، أما الآن، صحفيونا من إيران يذهبون ويرون كل شيء بأعينهم. هم تلقوا ضربات من أماكن لم يكونوا يتوقعونها حتى، ولم يجرؤوا على إعلانها.

وبالتالي، تلك الهيبة التي صنعوها لأنفسهم انهارت. والآن كل جهدهم هو محاولة إعادة بناء تلك الصورة القديمة وذلك الاستعراض للقوة. من الطبيعي أننا، من الناحية التكنولوجية، نفتقد في بعض المجالات إلى معدات متطورة مثل أنواع معينة من الطائرات وبعض الأدوات.

لكن لدينا قوة دفاعية، وإذا أرادوا الاستمرار، يمكنهم أن يتلقوا ضربات أشدّ وأثقل. نحن لا نسعى إلى الحرب، ولا نبحث عن الفوضى. نحن فقط دافعنا عن أنفسنا.

المذيع: سيادة الرئيس، هل هناك أي قلق من احتمال بدء موجة ثانية من الحرب؟ ألا تلاحظون أي مؤشرات خاصة في هذا الصدد؟

بزشكيان: انظروا، من الناحية العقائدية، الإمام علي عليه السلام يقول في إحدى خطبه:
«ولا تدفعنَّ صلحًا دعا إليه عدوك إذا رضيتَه، فإن في ذلك راحةً للجند، واطمئنانًا للبلاد، وأمنًا للهموم، وسَكنًا للناس.»

نحن لا نثق بهم إطلاقًا. في أي لحظة يمكنهم أن يسلكوا نفس الطريق مجددًا. قد يطمعون ويعاودون العدوان. ولهذا، قواتنا المسلحة مستعدة بكل قوتها لأي اعتداء محتمل.
لكننا لن نكون أبدًا البادئين بأي حرب. لن نكون نحن من يبدأ. وهذا بالضبط ما يُشوّهونه على مستوى العالم ويُروّجون له وكأن إيران هي سبب عدم الاستقرار في المنطقة.

في اليوم الذي فزت فيه بالانتخابات، أول ما فعلوه هو أنهم جاؤوا واغتالوا إسماعيل هنية. أيها الجبناء، ما ذنب إسماعيل هنية؟ لقد جاء إلى دولة، فأي قانون أو نظام حقوقي يتيح لهم فعل ذلك؟

لو كانت هناك حقوق إنسان حقيقية ومنظمة أمم متحدة تحمل فعلًا معايير إنسانية، لكانت أوقفت هذه الاعتداءات والسلوكيات غير القانونية وغير الأخلاقية. لكننا نرى أنها لا توقف شيئًا، بل عندما يصدر حكم ضدهم من محكمة العدل الدولية في لاهاي، تقوم أمريكا نفسها بإدانة المحكمة! لأنها أصدرت حكمًا ضد مصالحها.

كل ما يضرّهم يعتبرونه مُدانًا. وكل ما ينفعهم، حتى لو كان غير إنساني ومخالفًا للقانون، فهو عندهم مباح.

نحن، بناءً على معتقداتنا وقيمنا، لا نقبل هذا المنطق. المسلمون لديهم القدرة. إذا توحّد المسلمون، يمكنهم الوقوف في وجه الظلم والعدوان، ومساندة بعضهم البعض، وبناء مجتمع يملأ المنطقة بالأمن والإنسانية والنمو والتقدّم، ويعيش في سلام ووئام مع جميع دول العالم.

الإسلام يعني السلامة. الإسلام يعني أن تبقى أنت سالمًا ونبقى نحن أيضًا سالمين. لكن، للأسف، نحن نتعامل مع عالمٍ خالٍ من المروءة.

المذيع: رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، قال إن الهجوم الذي شنّته أمريكا على ثلاثة مراكز نووية في إيران أدّى إلى تدمير منشآت فوردو وكامل البرنامج النووي الإيراني.

سؤالي: هل تعتبرون هذه التصريحات مجرد موقف سياسي؟ والنقطة الثانية، إلى أي مدى تضرّرت المنشآت النووية الإيرانية، خاصة موقع فوردو؟

بزشكيان: انظروا، الأجزاء التي لم نعد نستطيع الوصول إليها الآن هي فقط المداخل التي استهدفوها. أما القدرة النووية لدينا فليست في فوردو، ولا في نطنز، ولا في أصفهان، ولا في أي موقع استهدفوه؛ قدرتنا النووية الحقيقية في فكر وعقل الإنسان الإيراني.

لم يكن يومًا، ولن يكون، هدفنا التوجّه نحو السلاح النووي. ما يقوله ترامب بأن إيران يجب ألا تمتلك سلاحًا نوويًا ليس أصلًا موضوعنا. هذه مسألة عقيدة دينية، هناك فتوى وأمر صريح من قيادة الجمهورية الإسلامية. ومع وجود هذا الاعتقاد، لا يستطيع أي سياسي يعيش ويعمل ضمن هذا النظام أن يتصرف عكس ذلك.

قناعة نظام الجمهورية الإسلامية أن امتلاك السلاح النووي محرّم. السلاح النووي أداة همجية، عمياء، تحرق الأخضر واليابس معًا. ومن منظور إنساني وعقائدي، هو مرفوض تمامًا.

نحن لا نسعى لامتلاك السلاح النووي. نحن أعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT، ونعمل ضمن إطار هذه المعاهدة الدولية. والسؤال هو: لماذا لا تتعامل نفس الـNPT، ونفس وكالة الطاقة الذرية، معنا وفق قوانينها؟ متى خرجنا نحن عن الأطر، فليأتوا ويقولوا إنكم خالفتم.

لقد كنا دائمًا تحت رقابتهم، كانوا يأتون ويفتشون، وكانت لديهم إطلاع كامل على كل شيء. فلماذا إذًا هذه المؤسسات، وفق القوانين نفسها، لم تدن هذه الاعتداءات؟ وفق القوانين الدولية، الهجوم على المنشآت النووية ممنوع؛ لا يحق لأي دولة القيام بذلك. فلماذا لم يدينوا هذه الهجمات؟

للأسف، هذه هي الحقيقة التي نواجهها في عالم اليوم. لكن ردّنا واضح: نحن لا نسعى إلى السلاح النووي. نحن نسعى إلى الأمن والاستقرار والتقدّم ضمن التزاماتنا.

المذيع: سيادة الرئيس، هم يقولون إن إيران يجب ألا يكون لديها أي برنامج لتخصيب اليورانيوم. ما ردّكم؟

بزشكيان: هذا بناءً على أي قانون دولي؟

المذيع: بحسب قوانينهم هم.

بزشكيان: حسنًا، هل يجب علينا قبول ذلك؟ أليس هناك قوانين في هذا العالم؟ أليست هذه المنظمات أُنشئت لهذا الغرض؟ إذا كانت هذه القوانين مجرد أداة في يد فئة معينة، فليغلقوا هذه المنظمات كلها. إذا كانت كل هذه الهياكل في يد من يُدينون من يشاؤون، ويخنقون أي قوة تريد أن تقف على قدميها ضمن نفس الأطر، فما الفرق إذن؟

نحن نريد أن نعيش ضمن إطار القوانين الدولية. إذا خرجنا يومًا عن هذه القوانين، نعم، ليأتوا ويتعاملوا معنا. لكن طالما أننا نتحرك ضمن هذا الإطار، فلماذا يُفرض علينا الإكراه؟ لماذا يجب على العالم أن يقبل أن بعض الدول، مثل هذا الكيان الصهيوني، لا تلتزم بأي قانون؟

هذا الكيان لا يعترف بـمعاهدة حظر الانتشار النووي NPT، ولا بمعاهدة حظر الأسلحة النووية، ولا يلتزم بأي من القوانين الدولية. يدوس كل شيء. ولكن لماذا هذه المنظمات لا تتعامل معه؟ وإن تعاملت، تقوم أمريكا نفسها بإدانة تلك المنظمة! أليس هذا دليلًا على الاستبداد والبلطجة والظلم؟

في معتقداتنا تعلّمنا ألا نخضع للظلم. نحن نحتاج التكنولوجيا النووية لعلاج مرضانا. نحتاج هذه المعرفة للتقدّم في الصناعة والزراعة. لماذا لا ينبغي أن نمتلك هذا العلم؟ أي منطق، أي نهج علمي وإنساني يقول إن الدول ليس لها الحق في التوجّه نحو المعرفة؟

لماذا لا نتعلّم؟ لماذا لا يجب على الدول الإسلامية أن تمتلك المعرفة النووية؟ لا فرق، سواء نحن أو أي دولة إسلامية أخرى؛ إذا اتجه أحد يومًا نحو السلاح النووي، فليوقفوه. نحن بأنفسنا نرفض تصنيع السلاح النووي. نحن نعارض أي إشعال للحروب، سواء في المنطقة أو في العالم.

المذيع: سيادة الرئيس، ماذا عن تخصيب اليورانيوم؟ هل إيران مستعدة للتخلّي عنه؟

بزشكيان: هذه ليست أمورًا يمكن أن "تُمحى". هذه القدرة، هذه المعرفة، هذه المهارات، موجودة في عقول وقوة علمائنا. هم جاؤوا وضربوا بعض المواقع وتصوروا أن كل شيء انتهى؛ لكن العقل لا يمكن تدميره.

لماذا يعادون علماءنا؟ لماذا يعادون العلم؟ لأنهم يخافون من الوعي والمعرفة. يخافون من وعي المسلمين وفهمهم. نظرتهم موجّهة نحو موارد وثروات الدول الإسلامية، لا نحو تقدّم وقدرات شعوب المسلمين. وعندما ينهبون هذه الموارد، ينظرون إلى الناس بنظرة أداتية مهينة؛ نظرة تقول إنه يمكن تدميرهم.

في نظرهم، نحن لسنا بشرًا. وهنا يظهر الفرق بين عقيدتنا وفهمنا وبين فهمهم.

المذيع: اسمح لي أن أطرح سؤالًا مباشرًا، سيادة الرئيس. هل سيستمر تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية مستقبلًا؟ طبعًا في إطار القوانين الدولية.

بزشكيان: نعم.

المذيع: وإيران ليست لديها أي نية للتخلّي عن هذه الثروة الوطنية، لا على طاولة المفاوضات ولا في ظروف الحرب، صحيح؟

بزشكيان: ما معنى المفاوضات؟ ما هي المفاوضة أصلًا؟ كيف يمكن أن نتفاوض إذا كان أساس المفاوضة يجب أن يكون رابح-رابح؟ إذا كان طرف واحد فقط يعطي الأوامر والطرف الآخر مجبور على قبولها، فهل هذا يُسمّى تفاوضًا؟

عندما آتي وأتحاور معك، وتقول لي: كل ما أقوله يجب أن تقبله، وإن لم تقبل سأدمّرك، فهذا ليس حوارًا.

المفاوضات يجب أن تكون ضمن إطار. يجب أن تكون هناك قوانين يستطيع جميع البشر الذين يعيشون على هذه الأرض أن يعيشوا بموجبها في سلام وهدوء.

المنظمات التي أُنشئت في العالم، أُنشئت لهذا الهدف: الحوار، التفاوض، التفاهم. لا أن يكون الكلام من طرف واحد ويُقال للجميع يجب أن تستسلموا. إذا كانت كل القوانين الموضوعة بلا قيمة، وإذا كان كل ما نقوله يجب أن تنحنوا له، فلماذا يسمّونه مجتمعًا دوليًا؟ لماذا القوانين؟ لماذا المبادئ المشتركة؟

فأي حوار وأي تفاوض هذا؟

المذيع: على أي أساس أعلنت إيران أنها مستعدة للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة؟

بزشكيان: نحن ضمن إطار القوانين الدولية مستعدون للتفاوض. رئيس الولايات المتحدة، السيد ترامب، قال إن إيران يجب ألا تصل إلى السلاح النووي، ونحن أيضًا نقبل ذلك.

أي تقييم أو مراقبة يريدون القيام بها، نحن مستعدون لها. أليس نيتنا ألا نتجه نحو السلاح النووي؟ إذن، لهذا نحن مستعدون للسماح للمنظمات الدولية بأن تأتي وتشرف على نشاطاتنا.

لقد كنا دائمًا تحت إشرافهم. وإذا خرجنا يومًا عن إطار القوانين الدولية، فليأتوا ويتعاملوا معنا. أما طالما نتحرك ضمن هذا الإطار، فيجب أن تكون المفاوضات أيضًا قانونية، شفافة ومحترمة.

المذيع: وهل هذا المنطق ما زال قائمًا بعد انتهاء الحرب؟

بزشكيان: نعم، هذا المنطق ما زال قائمًا. انظر، الكرة التي نعيش عليها، في مقاييس هذا الكون، ليست إلا غرفة صغيرة. بل إن كوكب الأرض في هذا العالم الهائل لا يُحسب شيئًا. نحن مجرد بشر على هذه الأرض، ولسنا حتى رقمًا يُذكر، ولكننا نتحدث كثيرًا، ونشعل الحروب، ونسفك الدماء؛ من أجل ماذا؟

من أجل أن تصبح كل المنطقة ملكًا لأمريكا؟ أو لغيرها؟ وفي النهاية، ما الذي يريدون تحقيقه؟

منطقنا وأملنا هو أن يعيش كل البشر في سلام، في هدوء وفي رفاهية. هذا منطقنا الذي نؤمن به قبل الحرب وبعدها.

المذيع: هناك من يقول في الغرب وحتى في منطقتنا إن إيران بعد الحرب الأخيرة أصبحت ضعيفة، وأن أمريكا تنوي تشكيل طاولة تفاوض جديدة لكي تتراجع إيران في قضايا مثل التخصيب والبرنامج الصاروخي والنووي.

بزشكيان: يعني بعد كل هذا، يأتي الكيان الصهيوني ليضربنا، ويغلق الطرق، ويقتلنا، ونحن نقول لهم: تفضّلوا، استسلمنا؟ هذا ما يريده البعض.

أنا أريد فقط شيئًا واحدًا من هؤلاء: أن يأتوا ويجروا تقييمًا حقيقيًا للشعب الإيراني. إنهم يعرفون كيف يقيّمون، يجيدون ذلك! حتى لو افترضنا أنه في هذه الحرب لم نحقق أي إنجاز، فإن مجرد هذا الإنجاز يكفي: أن شعبنا توحّد في مواجهة هذا العدوان، وهذا أعظم إنجاز.

الشعب الذي يتوحّد، لا يمكن لأي قوة أن تهزمه. إذا استشهدت أنا، أو قتلوا مئة مثلي، أو آلافًا مثلي، لكن شعبًا يؤمن بعزة وكرامة بلده ويتمسك بأرضه ومائه، لن يُهزم أبدًا.

نحن على طاولة المفاوضات، والآن أيضًا يجب تقييم شعبنا. إذا كان هؤلاء المحللون صادقين، فعليهم أن يعترفوا أن هذه الأحداث زادت من وحدة وتماسك الشعب. حتى إن بعض الناس يقولون إنه لا ينبغي التفاوض، وعددهم ليس قليلًا. ولكن في النهاية، الدبلوماسية طريق؛ طريق للوصول إلى السلام والهدوء. نحن نبحث عن الهدوء، لا التوتر. نحن نبحث عن الحوار، لا الحرب.

الكيان الصهيوني كان يعتقد أنه إذا هاجمنا، سينزل الناس إلى الشوارع؛ لكن العكس هو الذي حدث. الناس التفّوا حول الدولة، حتى أولئك الذين كان لديهم مشاكل مع هذه الدولة. وهذا يعني أننا حولنا ذلك الضعف إلى قوة.

نحن في الحكومة نعتبر أنفسنا ملزمين بأن نكون ممتنين لهذا الشعب. وكما نحاول حل مشاكلنا في المنطقة، يجب أيضًا أن نتعامل مع شعبنا بطريقة يعرف فيها أننا خدم لهم. نحن لم نأتِ لنأمر الناس وننهاهم. نحن جئنا لنخدمهم بقدر ما نستطيع.

في الواقع، الكيان الصهيوني وأمريكا بخطوتهما هذه، قدّما لنا خدمة. لقد وحّدا شعبنا، في الداخل والخارج، حول أرضه ووطنه. كل إيراني يريد وحدة بلده، ويكره أي تجزئة أو إذلال وطني.

أما أولئك الذين يجلسون في وسائل الإعلام ويتحدثون باسم إيران بكلمات ضد هذا الوطن، فهؤلاء ليسوا إيرانيين. هؤلاء مأجورون، مدفوع لهم. لأنه لو كانوا حقًا إيرانيين، ما كانوا ليبيعوا أرضهم أبدًا بأي ثمن.

المذيع: إذا تم تشكيل طاولة تفاوض بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة، ما هي الخطوط الحمراء لإيران في هذه المفاوضات؟

بزشكيان: إطارنا هو القوانين الدولية. نحن لا نريد شيئًا خارج هذا الإطار.

انظر، في أي مجتمع، حتى في الدول التي نعيش فيها اليوم، عندما يسنّ البرلمان قانونًا، يكون الجميع ملزمًا باتباعه. قد يكون لدى الأفراد آراء أو أذواق مختلفة، لكن عندما يصبح الموضوع قانونًا، ولكي نتمكن من العيش معًا وحلّ خلافاتنا، علينا أن نتعامل في إطار ذلك القانون.

العالم اليوم، إذا كان حقًا متحضّرًا، يجب أن يطبّق هذا المنطق على المستوى الدولي أيضًا. إذا قالوا هناك "مجتمع دولي"، وإذا وُجدت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فعليهم أن يقبلوا جميع الدول، بما فيها إيران، في إطار القوانين الدولية.

ليس لدينا أي خط أحمر سوى تلك القوانين الدولية. لكن إذا كان التعامل معنا سيكون خارج تلك القوانين، وإذا كان الهدف فرض القوة والإملاءات، فاعتقادنا وإيماننا يقولان: لا ينبغي لنا أن نخضع للظلم.

هذا هو خطنا الأحمر: احترام القانون ورفض كل أشكال الاستقواء. عندما يجلس العالم ويكتب قوانين لكي تتمكن الشعوب من العيش في سلام وهدوء، يجب أن يتعاملوا معنا أيضًا وفق تلك القوانين؛ لا أكثر ولا أقل.

المذيع: يعني يمكنني أن أستنتج من كلامكم أن إيران ليست مستعدة للتخلي عن برنامج تخصيب اليورانيوم، طالما هو في إطار القوانين الدولية؟ والأمر نفسه ينطبق على البرنامج الصاروخي؟

بزشكيان: أصلاً منطقنا وقانوننا يقولان: لماذا نريد الصواريخ؟ تعالوا ننظر إلى تاريخ إيران خلال 200 عام الماضية. هل اعتدينا على أي دولة؟ إنهم يحاولون دائمًا تصوير إيران كدولة معتدية، لكن هل هناك حتى حالة واحدة خلال 200 عام الماضية هاجمت فيها إيران دولة ما؟

هل هددنا سلامة أراضي أي دولة؟ هل اغتلنا أحدًا؟

منذ انتصار الثورة الإسلامية، أردنا فقط أن نقف على أقدامنا، لكن منذ السنة الأولى، بدأوا بالاغتيالات؛ استهدفوا علمائنا، استهدفوا علمائنا الدينيين، استهدفوا سياسيينا. حتى اليوم، وهم يحاولون بكل الطرق أن يشلّونا، لكنهم لم يستطيعوا.

بهذه الإجراءات، كانوا يظنون أنهم يستطيعون طيّ صفحة إيران. لكن النتيجة كانت أننا ازددنا يقينًا بأنه لا يجب أن يكون لدينا خلاف أمام العدو الخارجي. وهذا المنطق ينطبق أيضًا على الدول الإسلامية. نحن مع جميع الدول الإسلامية إخوة. هم إخواننا. أي شيء يمكننا فعله لنموّهم وتطورهم سنفعله.

ليس لدينا أي نظرة طمع إلى سلامة أراضي أي دولة إسلامية. حتى تجاه أي دولة في العالم ليست لدينا مثل هذه النظرة. يمكننا أن نقيم علاقات سليمة وبنّاءة معًا، على أساس القوانين التي نضعها بأنفسنا، حتى يتحقق الأمن والسلام للجميع؛ على أساس العدل والإنصاف، ذلك الذي جاء به الله والأنبياء، أن يتحقق العدل في المجتمع، لا الظلم، ولا العدوان.

المذيع: في ردّ إيران على الهجوم الأمريكي على منشآتها النووية، كان من بين الإجراءات استهداف قاعدة «العديد» في قطر. وبعد هذا الهجوم، ووفقًا للتقارير، جرى اتصال بينكم وبين أمير دولة قطر، وقيل إن رئيس إيران أعرب في هذا الاتصال عن أسفه.

نظرًا لأن الرواية الإيرانية تبدو مختلفة عن الرواية الرسمية القطرية حول هذا الموضوع، هل ما حدث سيترك أثرًا خاصًا على العلاقات بين البلدين؟ أم أن الأمر سيمضي في مساره الهادئ والمحدد؟

بزشكيان: في هذا الخصوص، أجريت اتصالًا هاتفيًا مع سمو الأمير المحترم لدولة قطر، كما تحدثت أيضًا مع مسؤولي دول إسلامية أخرى، بما في ذلك عُمان، الإمارات، السعودية ومصر. نحن لم نهاجم قطر. هدفنا كان القاعدة العسكرية الأمريكية التي نفذت عملياتها من الأراضي القطرية.

هم اعتدوا على أرضنا، ونحن بدورنا استهدفنا قاعدتهم.

نحن لم نستهدف أشقاءنا القطريين أبدًا، بل كانوا دائمًا داعمين لنا، ونحن كذلك نعتبر أنفسنا داعمين لهم. ليس لدينا أي مشكلة مع قطر، بل على العكس، نعتبر أنفسنا ملتزمين تجاه شعب قطر وحكومته. أي مساعدة نستطيع تقديمها لهؤلاء الأعزاء سنقدمها بلا تردد.

لم يخطر ببالنا يومًا، ولن يخطر، حتى مجرد التفكير في العداء مع قطر أو أي دولة إسلامية أخرى. هذه مؤامرة خطط لها الكيان الصهيوني وأمريكا لإشعال الفتن بين المسلمين ودفعهم إلى الاقتتال فيما بينهم.

نحن لا نحمل أي خصومة، لا مع قطر ولا مع أي دولة إسلامية أخرى، بل إذا وُجد خلاف أو قضية، نسعى لحلّها عبر الحوار.

إذا كانت هناك مخاوف أو هواجس، فنحن مستعدون لمناقشتها جميعًا لإزالتها، لأننا نعتبر كل هذه الدول إخوتنا.

وكما قال الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه:
«إلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد، أفأمرهم الله بالاختلاف؟»
إلههم واحد، نبيهم واحد، وكتابهم واحد؛ فهل أمرهم الله بالاختلاف؟

نحن لا نرى أي مبرر أو أي أساس للاختلاف مع إخواننا المسلمين.

المذيع: دكتور، بصراحة أنا كنت موجودًا في قطر يوم الهجوم، وشاهدت كيف صُدم المسؤولون القطريون، وكذلك الناس وحتى الأجانب المقيمون هناك.

في النهاية، ذلك الهجوم والأصوات التي سُمعت أثّرت على هدوء المنطقة، وخلقت حالة من القلق والانزعاج. أنا فقط أنقل لكم هذا الانطباع.

بزشكيان: أنا أتفهم تمامًا هذه المخاوف. ولهذا بالتحديد أجريت الاتصال الهاتفي فورًا وتحدثت مع سمو أمير قطر. شرحت له أن الهجوم انطلق من القواعد الأمريكية الموجودة في قطر؛ القواعد التي استخدمتها أمريكا للاعتداء على أراضينا.

السؤال هنا: في مثل هذه الظروف، ماذا كان يجب علينا أن نفعل؟

لقد استهدفنا القاعدة الأمريكية فقط، ولم يكن هدفنا دولة قطر. نعم، أدرك تمامًا أن تلك الأصوات والأحداث أقلقت الناس، ولهذا السبب مباشرةً اتصلت وأوضحت الموقف. لم تكن نيتنا أبدًا استهداف قطر، ولن تكون.

لكن المسألة هي التالية: عندما تكون لدى أمريكا قواعد عسكرية حولنا وهي لا تعتدي علينا، نحن لا نتدخل بشؤونها. ولكن إذا استُخدمت هذه القواعد لمهاجمتنا، فمن الطبيعي ألا نقف مكتوفي الأيدي، بل نضطر إلى الرد.

المذيع: بعد ردّ إيران على الهجوم الأمريكي، كل دولة في المنطقة، خصوصًا دول الخليج، قدّمت تفسيرها الخاص لهذا الرد، وحاولت استثمار الموقف بطريقتها. وهنا عاد إلى الواجهة مفهوم قديم، هو الأمن المشترك أو الأمن الجماعي في المنطقة.

السؤال: هل إيران، بعد هذه الحرب، مستعدة لأن تعمل وفق هذا المفهوم للأمن المشترك؟ خصوصًا أن بعض الدول المجاورة تتفق مع إيران في هذا المسار. كيف تعرّف إيران هذه الجاهزية؟ وما الذي تتوقعه من بقية الدول؟

بزشكيان: منذ اليوم الأول الذي توليت فيه المسؤولية، كان شعاري أننا مع الدول الإسلامية يجب أن نكون موحّدين ومتماسكين. أمن المنطقة يمكننا نحن تأمينه بالتعاون فيما بيننا.

في اللقاءات والمحادثات التي أجريتها مع رؤساء وأمراء الدول الإسلامية، كنت دائمًا أؤكد على هذه النقطة.

لماذا استطاعت أوروبا أن تزيل حدودها، وتكون لها عملة مشتركة، ويسافر شعبها بحرية بين الدول؟ لماذا نحن المسلمين لا نستطيع أن نضع قواعد مشتركة مماثلة؟ لماذا لا نستطيع التعاون والتفاهم بشأن أمن المنطقة؟

نحن قادرون على تأمين أمن الخليج، بل وحتى أمن الشرق الأوسط، بأنفسنا.

لا يوجد أي مبرر لنتصادم، ليس فقط لا حاجة لذلك، بل لا يحق لنا أن نتقاتل. أنا كإنسان، إيماني وقناعتي تقوم على ذلك؛ أؤمن أن المسلمين يجب أن يتحدوا فيما بينهم.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، المسلم أخو المسلم، والمسلمون كالجسد الواحد أمام الآخرين.

أنا أؤمن بهذا القول. يجب أن نقف معًا كيدٍ واحدة. ومع الدول الإسلامية في المنطقة نحن على استعداد كامل للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة بمشاركتنا جميعًا، وفي إطار قواعد واضحة يمكن الاتفاق عليها وتنظيمها.

وفي هذا الطريق، كل ما نستطيع تقديمه من مساعدة، سنقدّمه.

المذيع: يعني في الواقع، هذا ما يسميه السياسيون بـ«منظومة الأمن الإقليمي المشترك».

بزشكيان: نعم، سمّه ما شئت، منظومة أمن مشترك، منظومة اقتصاد مشترك، منظومة تنمية مشتركة، أو تنسيق مشترك. لماذا لا يمكننا القيام بمثل هذه الخطوات معًا؟

نحن لا نسعى لأي اضطراب. العالم الذي نعيش فيه لم يعد وقتًا للحروب، إنه وقت الإنسانية. جميع الأنبياء جاؤوا ليقيموا العدل والإنصاف في المجتمع. في الحرب، لا أحد يربح حقًا.

لقد أدركنا جيدًا أن الحرب تضر بالجميع. حتى لو خرجنا منها منتصرين، فهي تترك أضرارًا وتكاليف باهظة. نحن لا نريد الحرب، نريد أن نعيش في سلام، بعدالة، وإلى جانب شعوب المنطقة.

المذيع: هل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد الحرب، تراجع التزاماتها ضمن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)؟

بزشكيان: ما زلنا عضوًا في معاهدة NPT، ولا ندرس أي خطوة للانسحاب منها؛ هذه مجرد روايات يروّجها الطرف الآخر.

المذيع: بعد أن أصبحت العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية…

بزشكيان: الوكالة لم تقم بواجبها كما يجب. نحن لم نقل إن الوكالة لا يجب أن تأتي، بل قلنا إذا أرادت الدخول يجب أن يكون ذلك ضمن إطار محدد وقرارات مصادق عليها من مجلس الأمن. نحن لم نرتكب أي مخالفة. لكن للأسف أعادوا طرح الأسئلة والملفات القديمة فقط لخلق مسار جديد من الضغوط.

لكن حتى لو كان هناك خلاف في الرأي، هل يسمح القانون الدولي للكيان الصهيوني أو للولايات المتحدة بشن هجوم عسكري على منشآت نووية تخضع لرقابة الوكالة الدولية، والوكالة نفسها لا تبدي أي رد؟ ما هو دور الوكالة إذًا؟ نحن عضو رسمي في الوكالة، وعليها أن تدافع عن حقوقنا، لا أن تخضع لتأثير دولة لا تعترف بعضوية الوكالة ولا بالتزامات معاهدة حظر الأسلحة النووية أصلًا.

كيف يمكن للكيان الصهيوني، وهو منتهك لكل القوانين الدولية، أن يتهمنا ويستخدم حتى الوكالة كأداة ضغط؟ نحن لا نملك سلاحًا نوويًا، نحن لا نقصف الأبرياء، لا نمنع عن الشعوب الفقيرة الماء والغذاء والدواء. هذا الكيان الصهيوني هو من يرتكب هذه الجرائم، أمام أنظار العالم. كيف يُقبل أن يُدمَّر مبنى سكني كامل مع جميع سكانه بحجة استهداف شخص واحد؟ في أي نظام قانوني أو دولي يُعتبر هذا مقبولًا؟

وفي النهاية، أعبّر عن أسفي الشديد لأن بعض الأطراف في أوروبا وأمريكا يخرجون للدفاع عن مثل هذا المجرم.

المذيع: بعض النخب والمسؤولين السابقين وحتى الرأي العام في إيران، خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، وجهوا انتقادات لموقف روسيا، وقالوا إن الشريك الاستراتيجي لإيران في هذه اللحظة الحساسة التزم الصمت ولم يُظهر رد فعل ملموس. هل ترون هذا العتب في محله؟

بزشكيان: انظروا، لا يوجد شيء في العلاقات الدولية أبيض بالكامل أو أسود بالكامل. حتى أنا شخصيًا، يوجَّه إليّ النقد في الوقت الحالي، ومن الطبيعي في الفضاء السياسي أن تُطرح آراء مختلفة، وحتى انتقادات. ولكن كثيرًا من هذه الأقوال تُقال أحيانًا بهدف إفساد العلاقات وتشويه الروابط بين الدول.

أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «أوصيكم بخمسٍ... لا يَرجُ أحدٌ منكم إلا ربَّه، ولا يخافنَّ إلا ذنبَه»، أي لا ينبغي لأحد أن يتوكل إلا على الله ولا يخشى شيئًا إلا ذنبه. نحن كذلك في هذا المسار، اتكالنا على الله، وليس على دعم القوى الكبرى أو الحلفاء.

في الحرب الأخيرة، بعض الدول تصرفت ضمن حدود إمكانياتها. الدول الإسلامية، قدر استطاعتها، أدانت العدوان على إيران. حتى بخصوص العراق، الذي استُخدم ترابه للهجوم علينا، لم نحمّل الحكومة والشعب العراقي المسؤولية، لأننا نعلم أنهم لم تكن لديهم القدرة على مواجهة تلك الاعتداءات. نحن نتفهم ذلك، ولهذا لم نُضعف علاقاتنا مع إخواننا. وبالنسبة للدول الأخرى، يجب الحكم عليها بالنظرة الواقعية ذاتها. لا نقع في التفاؤل المفرط، ولا نُضعف علاقاتنا بأحكام مطلقة تقوم على الصفر أو المئة.

المذيع: لكن يا سيادة الرئيس، روسيا قوة كبرى.

بزشكيان: روسيا أيضًا مشغولة بقضاياها الخاصة. أن يتصور البعض أنه بما أن روسيا قوة كبرى، يجب بالضرورة أن تتدخل، فهذا قد لا يتوافق مع الحقائق الميدانية والاعتبارات السياسية. بالطبع، لدينا اتصالاتنا مع روسيا والصين ودول أخرى، ونحافظ على هذه العلاقات. ولكن أن يُظن أننا سننهار إذا لم يكونوا موجودين، فهذا خطأ استراتيجي. نحن متوكلون على قدرة الله، وهذا الإيمان هو الركيزة الأساسية لنا كمسلمين.

المذيع: هل يمكن وفق الوضع الراهن وصف علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع روسيا والصين بأنها علاقات جيدة وقابلة للاعتماد عليها؟

بزشكيان: علاقاتنا مع روسيا والصين جيدة ونسعى لتحسينها أكثر. لكننا لا نتوقع منهم أن يضعوا أنفسهم في مأزق من أجلنا. كل دولة تنظر إلى مصالحها، ونحن نفهم ذلك. تمامًا كما أدانت الدول الإسلامية العدوان الأخير للكيان الصهيوني، لكنها ربما لم تستطع أو لم تُرِد أو لم تكن الظروف مهيأة لاتخاذ خطوات أبعد. هذا لا يعني أنهم ليسوا معنا. نحن نعتبر جميع الدول الإسلامية إخوانًا لنا، لكن يجب أن نقبل أن لكل منها معذورياته وظروفه الخاصة.

المذيع: سيادة الرئيس، في ضوء التطورات الكبرى الأخيرة، من السابع من أكتوبر وصولًا إلى الحرب المباشرة ضد إيران، يرى بعض المحللين أن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى خطاب أو استراتيجية دفاعية جديدة. هل تعتقدون أن إيران، بعد هذه الأحداث، مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية وإطارها المفاهيمي؟

بزشكيان: خطابنا هو نفسه الذي قلناه منذ البداية؛ قبل تولي المسؤولية واليوم وغدًا. استراتيجيتنا تقوم على الوحدة والتماسك الداخلي، وعلى الصداقة والأخوة مع الجيران في إطار احترام سيادتهم ووحدة أراضيهم وحدودهم المعترف بها. هذه هي الاستراتيجية التي نتبعها.

أعتقد أن هجوم الكيان الصهيوني، في بداية عمل حكومتنا، جاء بهدف منع تحقيق هذه الاستراتيجية؛ لأنه إذا استطعنا أن نحقق التماسك الداخلي، وفي الوقت نفسه نزيل الخلافات والمخاوف مع الجيران من خلال الحوار والتعاون، ونتحول إلى يدٍ واحدة، فإن هذه الاستراتيجية ستحصّننا أمام أي تهديد.

نحن لا نريد سوى السلام والطمأنينة، سواء في الداخل أو في المنطقة. في الواقع، خطوة الكيان الصهيوني سرّعت من التماسك الداخلي، سواء بين أبناء شعبنا في الداخل أو الإيرانيين المقيمين في الخارج. الآن جاء دورنا لنُصلح علاقتنا مع أبناء شعبنا الذين ربما اختلفوا معنا سابقًا في الرأي أو كانوا مستائين من بعض التصرفات أو المواقف، وأن نبني معهم علاقة صحيحة وسليمة.

المذيع: وبالنظر إلى تجارب الجمهورية الإسلامية السابقة في التفاوض مع الولايات المتحدة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي جرت أحيانًا في مكان واحد كما في المفاوضات التي عُقدت في العراق، ومع الأخذ في الاعتبار أن هذه العملية انتهت في النهاية إلى المواجهات الأخيرة والهجوم الأمريكي على منشآت إيران، هل تعتقدون أن إيران اليوم بحاجة إلى اتباع نهج جديد في مجال المفاوضات مع الولايات المتحدة؟

بزشكيان: نحن لم نهرب يومًا من التفاوض والدبلوماسية، لكن لم يعد هناك ثقة أو اطمئنان تجاه أمريكا، خاصة في نظر قائد الثورة. والسبب واضح. نحن وقعنا على الاتفاق النووي (برجام) ولم ننسحب منه، بل أمريكا هي التي انسحبت. نحن التزمنا بتعهداتنا، أما هم فلم يلتزموا بتعهداتهم.

الالتزام بالعهد، سواء من منظور علمي أو ديني، مبدأ أساسي. «ليس من فرائض الله شيء أشد على اجتماع الناس من تفريق الأهواء واختلاف القلوب». عندما يُبرم عهد أو اتفاق، يجب الوفاء به. نحن، انطلاقًا من معتقداتنا، أوفينا بعهودنا وننتظر من الطرف الآخر أن يكون ملتزمًا بكلمته وتوقيعه.

بينما الإعلام والدعاية العالمية بأيديهم، ويحاولون تقديم إيران كعامل فوضى وانعدام استقرار، نحن لا نتهرب من الحوار، ولا نطلب شيئًا يتجاوز الأطر القانونية والدولية. نحن نطالب بحقوق يحق لأي إنسان حر على هذه الأرض أن يتمتع بها. لا نريد الخضوع للقوة، ولا نريد ظلم أحد.

نقول إنه يمكننا أن نعيش في المجتمع الإنساني بصفاء وصدق وإخلاص. تعالوا نتحاور حول هذه المبادئ. نحن أهل للحوار، ونفي بتوقيعنا، وننتظر من الطرف الآخر أن يفي بوعوده. هذا المبدأ كان قائمًا حتى في الماضي، حيث كانوا يقيسون الرجولة بكلمة الشرف، إلى حد أن الإنسان كان يضحي بروحه وفاءً لها. أما اليوم فنعيش في عالم يوقّع فيه البعض ثم ينكر في اليوم التالي، وهذا أمر غير مقبول.

المذيع: سيادة الرئيس، كسؤال أخير؛ إذا اندلعت المرحلة الثانية من الحرب بشكل مفاجئ، في تلك الظروف الحساسة، ما الذي يتوقعه الشعب الإيراني وكذلك الرأي العام في المنطقة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

بزشكيان: نحن مستعدون لكل الاحتمالات. كما أكدت سابقًا، عندما يُعلن وقف إطلاق النار أو تُبرم هدنة، فهذا لا يعني انتهاء التهديد. في تراثنا جاء: «أمنَ الحذرَ كلَّ الحذرِ من عدوك بعد صلحه»، أي يجب أن يكون الحذر من العدو بعد الصلح أشدّ من أي وقت آخر. لذلك، نحن لا نملك أي سذاجة أو تفاؤل مبالغ فيه، بل نهيئ أنفسنا لأي رد فعل أو تطور محتمل.

داخل البلاد، أكبر رأسمالنا هو شعبنا. نحن نؤمن أنه لا توجد قوة أعظم من وحدة وتماسك الأمة. وعلى مستوى المنطقة، نعتقد أنه إذا توحد المسلمون وتكلموا بصوت واحد، فلن يستطيع أي كيان مثل الكيان الصهيوني أن يستهدفهم واحدًا تلو الآخر أو أن ينهكهم بالقصف والضغط.

بالنسبة لي ولكل إنسان حر، من المؤلم والمخزي أن نشاهد المسلمين الأبرياء في غزة أو فلسطين أو سوريا يقتلون مظلومين، وفي الوقت نفسه، أولئك الذين يدّعون الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية إمّا يصمتون أمام هذه الفظائع أو يدعمون مرتكبيها.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تريد الحرب، لكنها إذا فُرضت عليها، ستدافع بكل اقتدار عن وحدة أراضيها وكرامة شعبها.

 

رأيك