«عرس الزين»؛ الفكاهة والروحانية في أدب السودان
وأفادت وكالة برنا للأنباء، يُعَدّ الطيب صالح، الذي يُلقَّب بعبقري الرواية العربية، من أبرز روّاد الأدب الحديث. وفي روايته القصيرة «عرس الزين» يرسم صورة ساخرة وصوفية للحياة في قرية خيالية تُدعى «ود حامد». هذا العمل الذي كُتب في ستينيات القرن الماضي بات اليوم متاحاً للقارئ الإيراني بترجمات مختلفة، ويُشكّل نموذجاً واضحاً لروابط الأدب المترجَم بين إيران والعالم العربي.
«عرس الزين»؛ الفكاهة والروحانية في قرية ود حامد
تُعَدّ الرواية القصيرة «عرس الزين» (ʿUrs al-Zayn) من أبرز أعمال الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح، الذي يُعرَف بعبقري الرواية العربية. وقد حاز صالح شهرةً عالمية بفضل روايته الشهيرة موسم الهجرة إلى الشمال، غير أنّ عرس الزين تحتل أيضاً مكانة خاصة في مسيرته الإبداعية وتشكل جزءاً لا يتجزأ من الدورة السردية لقرية ود حامد الخيالية.
صدرت هذه الرواية القصيرة لأول مرة في منتصف ستينيات القرن العشرين، ثم تُرجمت إلى الإنجليزية بقلم دنيس جونسون-ديفيز لتدخل ضمن السلسلة المرموقة African Writers Series، وهي سلسلة لعبت دوراً بارزاً في تقديم الأدب الإفريقي إلى القرّاء في أنحاء العالم. وقد ساعد هذا الانتشار على ترسيخ مكانة الطيب صالح كأحد أبرز وجوه الأدب العربي المعاصر على المستوى الدولي.
الشخصية الرئيسة وأحداث الرواية
بطل الرواية هو الزين، شاب ذو هيئة غير مألوفة وجسد غريب، كان دائماً مادةً للتندّر والسخرية بين أهل القرية. يرسمه صالح بتفاصيل دقيقة: وجه طويل، عينان صغيرتان دائماً حمراوان، عنق طويل، كتفان عريضان، ساقان معوجتان مثخنتان بالجراح، ويدان خشنتان طويلتان. وقد أطلق عليه الأطفال لقب «الزرافة»، فأصبح بهذا الشكل شخصية معروفة في القرية.
لكن خلف هذا المظهر المختلف، يَكمن قلب بسيط ومليء بالعاطفة. يتحوّل الزين فجأة إلى بطل القصة حين ينتشر خبر زواجه من فتاة القرية الجميلة نعمة، ما يثير دهشة الجميع. إلى جانب هذا الخط الرئيس، تبرز شخصية حنين، وهو درويش صوفيّ، ليمثّل بُعداً روحانياً عميقاً ويدفع القصة نحو مستويات صوفية ومعنوية.
الأسلوب والموضوعات
يقدّم عرس الزين بلغة فكاهية مرحة صورةً عن الحياة الريفية في السودان. ومن خلال تعدد الأصوات، يعرض صالح وجهات نظر مختلفة لأهل القرية، ويبرز عبرها موضوعات مثل التناقض بين الظاهر والباطن، والنفاق الديني في مقابل الإيمان الحقيقي، ومعاني الحب والتضامن الإنساني.
إن الجمع بين الفكاهة العذبة والنظرة الصوفية يجعل النص يتجاوز حدود الحكاية المحلية ليصبح رواية إنسانية عالمية؛ رواية قادرة على ملامسة القارئ أينما كان، بصرف النظر عن الحدود الجغرافية.
النشر والترجمات
استُقبلت هذه الرواية بحفاوة في السودان والعالم العربي، وسرعان ما تُرجمت إلى لغات عدة. وقد ساهمت ترجمتها الإنجليزية (1968) في شهرة صالح الدولية. في إيران، صدرت الترجمة الأولى بقلم شكرالله شجاعیفر عام 2000 عن دار آگاه، متضمنة ثلاث قصص: «عرس الزين»، «شجرة ود حامد الثانية» و«حفنة تمر». ومؤخراً ظهرت ترجمة جديدة بقلم صادق دارابي عن دار بوتيمار ضمن سلسلة «قصص العالم».
الاقتباس السينمائي
في عام 1976، حُوِّلت الرواية إلى فيلم بعنوان «عرس الزين» أخرجه المخرج الكويتي خالد الصديق. وقد عُرض الفيلم في مهرجان كان ورُشِّح لتمثيل الكويت في جوائز الأوسكار، ورغم أنه لم يصل إلى القائمة النهائية، فإنه ساهم في توسيع حضور الرواية وإبراز الطيب صالح في الساحة الأدبية والثقافية.
لماذا تُقرأ؟
تشكل عرس الزين نموذجاً للأدب السوداني الذي يمزج الثقافة الشفوية والتقاليد الشعبية بالبناء السردي الحديث. وشخصية الزين، التي تذكّر بمهرجي شكسبير، تتحوّل من شخصية ساخرة إلى شخصية مركّبة ومتعددة الأبعاد: فهي في الوقت ذاته مصدر ضحك وتسليه، وتجسيد للإيمان والحب والكرامة الإنسانية.
قراءة هذه الرواية تمنح القارئ الفارسي فرصة للتعرّف على فرع أقل شهرة من الأدب العربي المعاصر، أدب لا يعكس فقط ملامح الثقافة السودانية، بل يثير أيضاً أسئلة إنسانية كونية حول الفرد والمجتمع.