اليوم العالمي للسلام؛ حلمٌ قديم للبشرية من أجل عالم خالٍ من الحرب والعنف
وأفادت وكالة برنا للأنباء، في عام ١٩٨١ حدّدت الأمم المتحدة يوم ٢١ سبتمبر (٣٠ شهریور) بوصفه «اليوم العالمي للسلام». وقد اختير هذا اليوم بهدف وقف العنف، وإيجاد هدنة، ونشر ثقافة الحوار على الصعيد العالمي. وفي هذا اليوم يُقرع جرس السلام في مقر الأمم المتحدة بنيويورك رمزاً لتذكير البشرية بأنّ السلام ليس مجرّد شعار بل ضرورة للبقاء والتقدّم.
هذا الموعد العالمي فرصة للقادة والدول والمنظمات المدنية وللناس العاديين كي يتفكروا معاً: كيف يمكن بناء عالم أكثر عدلاً وطمأنينة؟ إن أهمية هذا اليوم تكمن في أنّ عالمنا المعاصر ما يزال يشهد صراعات وحروباً دامية، وملايين البشر هم ضحايا أشكال مختلفة من العنف الظاهر والخفي. اليوم العالمي للسلام دعوة لإعادة التفكير في قيم الاحترام والعدالة والكرامة الإنسانية.
السلام في الثقافة الإيرانية والإسلامية
كان الإيرانيون عبر التاريخ أصحاب حضارة محبّة للسلام وصانعة للثقافة. ففي النصوص الفارسية القديمة أكّد الأدباء على قيمة الصلح والمودة. في الشاهنامه، يفضّل الفردوسي الحكمة والحوار على السيف وسفك الدماء. وفي گلستان صوّر سعدي الناس أعضاءً في جسد واحد، يتألم الواحد منهم لألم الآخر. أما حافظ ففي غزلياته جعل من الحبّ والطمأنينة بديلاً للعنف.
وفي الثقافة الإسلامية، «السلام» هو أحد أسماء الله، والنبيّ الأكرم (ص) قُدّم بصفته «رحمة للعالمين». وقد دعا القرآن الكريم المؤمنين إلى السلم مراراً، واعتبر الحرب مشروعة فقط في مواجهة العدوان والظلم. هذه الجذور التاريخية والدينية تبيّن أن إيران قادرة اليوم على أن تكون رايةً لسلام عادل، سلام يرتكز على العدالة والمعنوية لا على السكوت أمام الظلم.
السلام في مواجهة التحديات العالمية
العالم اليوم يواجه مجموعة من الأزمات المعقّدة: من الحروب والاحتلالات إلى الفقر والتمييز والتغيّرات المناخية والفوارق البنيوية. في مثل هذا الواقع، لم يعد السلام يعني غياب الحرب فحسب. بل يشمل السلام العدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الشعوب، وحماية البيئة، وتوسيع التعاون الدولي. ومن دون إزالة جذور الظلم لا يمكن أن يتحقق سلام دائم.
لقد أثبتت التجارب أنّ الحروب والعنف لا تجلب الأمن، بل تخلّف أزمات أعمق. ملايين اللاجئين، ودمار البنى التحتية، وتقويض الثقة بين الأمم ليست إلا بعض نتائج الحروب. إنّ اليوم العالمي للسلام تذكير لكل الدول بأن مستقبل البشرية رهن بالتعايش والتعاون العادل. فإذا لم تتحقق العدالة والتنمية المستدامة واحترام الكرامة الإنسانية، فسيظل السلام شعاراً فارغاً بلا مضمون.
مسؤولية الجيل الحاضر
السلام ليس شعاراً يردّد في البيانات فقط. تحقيقه يتطلب جهداً عملياً في مختلف الميادين. على الجيل الحاضر أن يتعلّم أن البديل عن الحرب هو الحوار والتفاعل. وينبغي أن يبدأ ترسيخ هذه الثقافة من الأسرة، ثم المدرسة، وأن يمتد إلى الجامعات والمجتمع. للإعلام والفنانين والمفكرين مسؤولية كبيرة في نشر قيم السلام.
وللشباب خاصةً دور أساسي في بناء مستقبل خالٍ من العنف. فبإمكانهم عبر أدوات الاتصال الحديثة أن يوصلوا رسالة السلام إلى العالم أجمع. كما يجب على المنظمات غير الحكومية والهيئات الدولية أن تهيّئ مشاريع مشتركة تتيح مشاركة الشباب. إن على الجيل الحاضر أن يؤمن بأن السلام ممكن التحقيق، شرط أن تتوافر الإرادة الجماعية لذلك.
السلام؛ عهد الإنسانية المتجدّد
اليوم العالمي للسلام يذكّرنا بأن السلام ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل ضرورة حيوية لبقاء البشرية وازدهارها. إن عالم اليوم بحاجة إلى رسالة السلام أكثر من أي وقت مضى؛ عالم ما تزال أصوات الرصاص والقنابل تلقي بظلالها على بقاع كثيرة منه.
السلام لا معنى له ما لم يقترن بالعدالة واحترام كرامة الإنسان. ومن دون العدالة، ليس السلام إلا صمتاً هشّاً. إنّ الشعب الإيراني، مستنداً إلى حضارته وثقافته، قادر أن يكون أحد روّاد السلام الدائم والعادل على الصعيد العالمي. إن إحياء اليوم العالمي للسلام هو تجديد عهد لبناء مستقبل أكثر إشراقاً؛ مستقبل تُسمع فيه أصوات التعايش والصداقة والتعاون بين الشعوب بدلاً من أصوات الحرب.