إطلالة على حياة وفكر العارف الذي غيّر مولانا

٧ مهر (٢٩ سبتمبر)، يوم تكريم شمس التبريزي؛ شمس العرفان الذي لا يغيب

|
۲۰۲۵/۰۹/۲۹
|
۱۶:۲۸:۰۶
| رمز الخبر: ۶۴۶
٧ مهر (٢٩ سبتمبر)، يوم تكريم شمس التبريزي؛ شمس العرفان الذي لا يغيب
في السابع من مهر (٢٩ سبتمبر) من التقويم الثقافي الإيراني يُحيى يوم تكريم شمس التبريزي. هذا العارف والشاعر الكبير في القرن السابع الهجري، بشخصيته المؤثرة وحضوره القصير ولكن العميق، غيّر روح مولانا وجعل مساراً جديداً في تاريخ العرفان والأدب الفارسي.

وأفادت وكالة برنا للأنباء، يُعَدّ شمس التبريزي من أكثر الشخصيات غموضاً وتأثيراً في تاريخ العرفان الإسلامي. فقد امتزجت حياته بين الأسطورة والحقيقة، وبقي اسمه مرتبطاً دائماً بمولانا جلال الدين البلخي. لم يكن شمس عارفاً فحسب، بل كان معلّماً للروح؛ فتح بكلماته نافذة جديدة للمعرفة على قلب مولانا، ومن خلاله على العالم. إنّ تكريم يوم شمس التبريزي في الحقيقة تكريم لفكر تجاوز حدود الزمان والمكان وما زال يُلهِم طالبي الحقيقة.

يرى كثير من المؤرخين والباحثين أنّ شمس كان عارفاً فريداً، تخفى وراء صمته وغربته نورٌ ساطع. كان إنساناً لا يطلب الشهرة الظاهرية بل يتوجّه إلى الحقيقة الباطنية. ولعلّ هذه الروح جعلت حياته مليئة بالأسفار والابتعاد عن الأضواء. وحين نتحدّث عن شمس اليوم، فإننا نتحدّث عن سرّ لم يُكشَف كاملاً أبداً؛ شخصية يصوغ كل جيل منها روايته الخاصة.

شمس ومولانا؛ لقاء غيّر التاريخ

إنّ قصة لقاء شمس بمولانا في قونية من أشهر المشاهد في تاريخ العرفان. فقد تحوّل مولانا الفقيه والخطيب، بحضور شمس، إلى شاعر عاشق وسالك ملهَم. لم يكن هذا مجرد تغيير عابر، بل ثورة روحية عميقة، انعكست آثارها في «ديوان شمس» و«المثنوي المعنوي».

وإذا كان شمس شمس العرفان، فإنّ مولانا كان المرآة التي عكست نوره على العالم. كان تأثير شمس في مولانا عميقاً لدرجة أنّ كثيراً من الدارسين اعتبروا مولانا «مولانا شمس». هذا الارتباط لم يجمع بين شخصين فحسب، بل جمع بين تيارين كبيرين في العرفان الإسلامي وترك تراثاً خالداً للثقافة الإيرانية والعالمية.

يُروى أنّ مولانا بعد لقائه شمس انقطع أربعين يوماً عن الدنيا وخلا به. وكان ذلك بداية تدفق الإلهامات الشعرية والروحية في قلبه. بعد هذا اللقاء، لم يعد مولانا خطيب الأمس، بل صار شاعراً وعارفاً يخاطب العالم بلغة العشق. ولولا شمس، ربما لم يكن اسم مولانا اليوم بهذا الحضور العالمي. لقد غيّر شمس ليس فقط حياة إنسان واحد، بل غيّر مسار الفكر الإنساني برمّته.

الفكر والفلسفة عند شمس

كانت أفكار شمس مشبعة بالشوق والعشق الإلهي. فقد كان يؤمن بأنّ الحقيقة تُدرك بالقلب لا بالعقل وحده. كلماته ومقالاته المروية عنه مليئة بالإشارات التي تدعو الإنسان إلى التحرر من القيود الظاهرية والوصول إلى حرية الروح.

كان شمس سالكاً جعل العشق محور السلوك، بدلاً من الزهد الجاف أو العلم الرسمي. فالعاشق عنده هو من يرى نفسه في مرآة الحق، فلا يبقى بينه وبين الحقيقة حجاب. ومن هذا المنطلق، انتقل مولانا من خطبته الرسمية إلى أشعاره المليئة بالعاطفة وإلى رقص السماع.

وما يميز شمس عن كثير غيره جرأته في قول الحق. لم يكن يخشى نقد المظاهر، وكانت كلماته أحياناً كالصاعقة على القلوب. فلسفته أنّ الحقيقة لا تُحبس في القوالب الجامدة؛ بل يجب أن تُعاش لا أن تُتعلّم فقط. هذه السمة جعلته معلّماً فريداً ما زال تأثيره حياً بعد قرون.

شمس في الثقافة والأدب الإيراني

مع أنّ شمس لم يكثر من الكتابة، إلا أنّ اسمه خُلد في الأدب الفارسي. فديوان شمس الذي نظمه مولانا في مدحه وذكراه من أعظم كنوز الشعر الفارسي. كما أنّ «مقالات شمس» التي جمعت أقواله تُعَدّ مصدراً أساسياً لفهم فكره.

وعلى مدى القرون، تناول كثير من الشعراء والكتّاب شخصية شمس وجعلوه مصدر إلهام لهم. حتى في الموسيقى والفنون المعاصرة، يبقى ذكره حيّاً، وأُبدِع الكثير من الأعمال الفنية استلهاماً منه. شمس ليس مجرد صفحة في التاريخ، بل جزء حيّ من هوية الثقافة الإيرانية.

من تبريز، مسقط رأسه، إلى قونية حيث التقى بمولانا، يبقى أثر شمس حاضراً في الأماكن والمعالم الثقافية. وتقام مراسم تكريمه سنوياً ليس في إيران فحسب، بل في تركيا وغيرها من البلدان، مما يدلّ على أنّه شخصية عالمية تخطّت رسالته الحدود.

رسالة شمس للعالم المعاصر

في عالم اليوم المليء بالاضطرابات، تبدو الحاجة إلى رسالة شمس أشدّ من أي وقت مضى. فقد كان نبيلاً ينادي بالحب والسلام وحرية الروح، وهي قيم يحتاجها الإنسان المعاصر المرهق من العنف والفراغ الروحي. دعوته كانت عودة إلى الداخل، لرؤية الحقيقة في وجه الآخر، وللاتصال مجدداً بمصدر العشق الإلهي.

إنّ تكريم يوم شمس ليس مجرد احتفاء بشخصية تاريخية، بل تجديد عهد مع فكر قادر على أن يكون نوراً لهداية الإنسان المعاصر. فكما غيّر شمس مولانا، يمكن أن يوقظ رسالته اليوم الأرواح العطشى ويقودها إلى النور.

واليوم، والإنسان غارق في روتين الحياة وقلقها وعنفها المستمر، يمكن لقراءة كلمات شمس أن تكون سبيلاً للسكينة والمعنى. فهو يعلّمنا أن نتحرر من ظواهر خادعة، وأن نبحث عن الحقيقة في أعماق القلب. شمس يذكّرنا أنّ الحب والحقيقة فوق القوميات والحدود، وهما وحدهما القادران على إنقاذ العالم.

كلمة أخيرة

إنّ السابع من مهر (٢٩ سبتمبر)، يوم تكريم شمس التبريزي، يذكّرنا بشروق شمسٍ لم يغرب منذ قرون. فقد غيّر شمس، بحضوره القصير ولكن العظيم، حياة مولانا ومسار العرفان والثقافة الإيرانية إلى الأبد. واليوم تبقى رسالته حيّة: رسالة العشق والحرية والبحث عن الحقيقة.

إنّ تكريم شمس هو تكريم للحقيقة التي تخرج الإنسان من ظلمات الجهل والتعصب إلى نور العشق والمعرفة. وكما وجد مولانا ذاته مع شمس، يمكن لكل إنسان أن يجد في رسالته طريقاً جديداً لحياته. يوم شمس التبريزي مناسبة لنتذكر أنّ شمس الحقيقة ما زالت مشرقة، وما علينا إلا أن نفتح أعين القلوب لرؤيتها.

رأيك