اليوم العالمي للصمّ؛ صوت القلوب الذي ينبغي أن يُسمع
وكالة برنا للأنباء، منذ عام ١٩٥٨، تمّ اعتماد ٣٠ سبتمبر يوماً عالمياً للصمّ، بهدف لفت أنظار العالم إلى حاجات هذه الفئة وقدراتها وحقوقها. لقد واجه الصمّ عبر التاريخ تحديات جمّة، ومع ذلك أثبتوا أنّهم قادرون على التميّز في مجالات العلم والفنّ والمجتمع.
يوجد اليوم أكثر من ٧٠ مليون أصمّ حول العالم، يعيش نحو ٨٠٪ منهم في البلدان النامية. هذا الرقم يوضّح أنّ قضية الصمّ ليست شأناً محلياً محدوداً، بل مسألة إنسانية عالمية تحتاج إلى تضامن ورؤية شاملة. وفضلاً عن ذلك، فإنّ هذا اليوم يذكّرنا بأنّ لغة الإشارة ليست مجرد وسيلة بديلة، بل لغة كاملة وحية تحمل ثقافة وهوية مجتمع الصمّ، وهي ميراث إنساني يجب احترامه ودعمه لينتقل جيلاً بعد جيل.
أهمية اليوم العالمي للصمّ
اليوم العالمي للصمّ ليس تاريخاً في روزنامة وحسب، بل فعل رمزي يتيح لمجتمع غالباً ما كان على الهامش أن يُسمع. ففي هذا اليوم تسعى المنظمات والمؤسسات المختلفة إلى رفع مستوى الوعي العام بمشكلات الصمّ وتذكير صانعي القرار بمسؤولياتهم.
إنه مناسبة لإعادة التفكير في معنى «التواصل». هل هو مجرد السمع بالأذن، أم أنّ التعاطف والفهم جزءٌ منه أيضاً؟ الصمّ يرسمون عالماً من المعاني عبر لغة الإشارة وحركات الوجه واليدين ونظرات العيون. ويعلّمنا هذا اليوم أنّ لغة القلب هي الأبلغ.
كما يُعتبر اليوم دعوة للمدارس والإعلام وأرباب العمل لتوسيع الفرص المتكافئة أمام الصمّ. فالاحتفال به يعني الإيمان بأنّ أحداً لا يجب أن يُقصى عن المشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية لمجرد أنه لا يسمع.
التحديات التي يواجهها الصمّ في العالم
يواجه الصمّ تحديات متعدّدة في حياتهم اليومية، منها:
-
محدودية الوصول إلى التعليم المناسب،
-
قلّة المترجمين المتخصّصين بلغة الإشارة،
-
عراقيل جدية في سوق العمل والمشاركة الاجتماعية،
-
النظرات النمطية والتمييز في بعض المجتمعات.
ومع ذلك، أثبت كثير من الصمّ قدرتهم على كسر هذه الحواجز والتألّق؛ من علماء وفنانين ورياضيين إلى ناشطين اجتماعيين. لقد برهنوا أنّ الصمم ليس عجزاً عن الإبداع، بل تجربة مختلفة للحياة. وفي بعض الدول، جرى إنشاء مدارس ثنائية اللغة (الإشارة واللغة الوطنية)، وتطوير البنى التحتية لتسهيل الوصول في الأماكن العامة. لكن في مناطق أخرى، لا يزال الصمّ يناضلون من أجل أبسط حقوقهم.
وضع الصمّ في إيران
يعيش في إيران أيضاً مئات الآلاف من الصمّ. وعلى الرغم من مشاكل مثل ضعف الإمكانات التعليمية وقلة الفرص الوظيفية، استطاع مجتمع الصمّ الإيراني أن يشكّل هويته الثقافية الخاصة. لغة الإشارة الفارسية جزء من هذه الهوية، وهي بحاجة إلى مزيد من الاعتراف الرسمي والانتشار.
في السنوات الأخيرة، بُذلت جهود لتحسين أوضاعهم؛ من تأسيس مدارس خاصة إلى حضور مترجمي الإشارة في بعض البرامج التلفزيونية. لكن الطريق لا يزال طويلاً حتى ينال الصمّ كامل حقوقهم كمواطنين متساويين. كما أنّ رفع وعي المجتمع حيال قدرات الصمّ يمكن أن يفتح أمامهم آفاقاً جديدة. ونجاحات الرياضيين والفنانين الصمّ الإيرانيين في المحافل الدولية مثال ساطع على طاقات يجب دعمها وتشجيعها أكثر فأكثر.
النظرة العالمية ومستقبل أفضل
تؤكّد الأمم المتحدة والاتحاد العالمي للصمّ أنّ هؤلاء لا ينبغي أن يُنظر إليهم كأشخاص «ذوي نقص»، بل كأشخاص «ذوي قدرات مختلفة». إنّ مستقبلاً أفضل للصمّ يتحقق حين تعترف المجتمعات بأنّ التنوع البشري ثروة، لا مشكلة.
ومع التقدّم التكنولوجي والطبي، تضاءلت بعض التحديات. تطبيقات ترجمة لغة الإشارة، وزرع قوقعة الأذن، ووسائل التواصل الاجتماعي، جميعها فتحت أبواباً جديدة لمشاركة الصمّ في الحياة العامة. غير أنّ الأهم هو تغيير العقليات: أن يُنظر إلى الصمّ لا كـ«آخرين» بل كجزء أصيل من «نحن». إنّ التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا حين تتساوى الفرص في التعليم والعمل والثقافة أمام الصمّ. فحينها فقط يمكن القول إنّ جميع الأصوات، المسموعة وغير المسموعة، لها القيمة ذاتها.
كلمة أخيرة
٨ مهر (٣٠ سبتمبر)، اليوم العالمي للصمّ، يذكّرنا بأنّ جوهر الإنسانية يتجلّى في التنوع. الصمّ، بصمتهم، يقدّمون لنا رسالة بليغة: الإنصات ليس بالأذن وحدها، بل بالقلب أيضاً. المجتمع الإنساني الحقيقي هو الذي يسمع كل الأصوات، العالية منها والساكنة. فلنمدّ أيدينا في هذا اليوم إلى الصمّ، ولنبنِ عالماً لا يشعر فيه أحد بأنه بلا صوت. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى التضامن والتفاهم. إنّ صوت القلوب هو الذي يقرّب المسافات ويخلق مجتمعاً أكثر عدلاً ورحمة.