تقرير ميداني من برنا

الحضور المهيب للإيرانيين في وداع شهداء حرب الأيام الاثني عشرالسرو ينحني لكنه لا يسقط

|
۲۰۲۵/۰۶/۲۹
|
۱۰:۳۰:۰۱
| رمز الخبر: ۷
الزمن متوقف. عقارب الساعة عند الثامنة صباحًا، في اليوم الثاني من محرم، أمام جامعة طهران، حيث يمتد البصر ليكشف حشودًا ترتدي السواد تنتظر قافلة الشهداء. على مقربة، طفل يمسك يد والدته، يرفع وردة حمراء أمام وجهه. يمسك بعباءة والدته، محدقًا نحو واجهة الجامعة. شيخ بعصاه يعدّ الثواني. يقيم قامته، وتصبح يداه مظلة وسط الزحام، محدقًا نحو البعيد. أتذكر هذه العبارة: «السرو ينحني، لكنه لا ينكسر، لا يسقط».

برنا - القسم الاجتماعي: الزمن متوقف. مرشات المياه تنشر رائحة ماء الورد في الأجواء. الهواء مملوء برذاذ خفيف يتساقط بصمت على رؤوس الناس؛ يشبه الدموع، يشبه حزنًا يفيض من القلوب ويسري في هواء المدينة. هناك هدير وحزن، دموع وصمود. من ميدان انقلاب حتى ميدان الحرية، وسط كل هذا الصوت، كأن هناك صوتًا كثيفًا وثقيلًا يجري؛ مشهد مختلف عن أيام العاصمة الهادئة الخاملة، مشهد يثير دهشة حتى أهدأ المراقبين.
تبدأ المراسم من البوابة الرئيسية لجامعة طهران؛ ذلك المكان الذي طالما كان مهد أحلام شباب هذه الأرض. تتحرك الحشود داخله كالموج في وعاء الانتظار. تصل قافلة الشهداء ببطء وسط بكاء النساء والأمهات، مخترقة صفوف الناس. يتقدم موكب أطفال الشهداء في المقدمة. كأن الأيدي تمتد نحو وجوه مغطاة بالغبار تحت الأنقاض، تريد إزالة غبار هذه الأيام؛ ذلك الغبار الذي لم يتشكل فقط بالصواريخ والطائرات المسيّرة والرصاص، بل بألف رواية عمياء حاولت أن تفرض حضورها على الخبر. نظام اختبأ خلف لسان الدبلوماسية وقال: «حربنا ليست ضد الشعب»؛ لكن هذه الأجساد الصغيرة، وأيادي الأمهات اللواتي بقين تحت الركام، تحدثت عن الحقيقة؛ حقيقة لا يمكن لأي رواية مشوهة أن تنكرها.
الزمن متوقف. الخطى بطيئة لكنها ثابتة. الأعلام وسط بحر الناس تتحرك صعودًا وهبوطًا مثل موج هادئ. الأعلام الحمراء المكتوب عليها «لبيك يا حسين» واللافتات ذات الشعارات المناهضة للصهيونية ولأمريكا تخطف الأنظار. لا أحد يصرخ، ولكن هناك صرخة صامتة في القلوب؛ كأن كل خطوة شهادة جديدة، وكل عين مرآة لملحمة لم تنته بعد. أمهات بعيون دامعة ولكن دون تزلزل، يحملن علم إيران. آباء صامتون وثقيلو الخطى، كأنهم يبنون بأجسادهم جدارًا من الحزن، لكنه جدار لا ينهار بين الموت والاستسلام. مراهقون ربما يذوقون لأول مرة طعم التشييع، يحدقون بدهشة؛ نحو التوابيت المغلفة بالأعلام، نحو معنى يولد لتوّه أمامهم.
بعد ساعات من المسير، لم تصل القافلة بعد إلى ساحة الحرية. الزمن يمر ثقيلًا. أجد نفسي داخل الحشود، أمضي مع الموج. الموج يحملني أبعد، وأحيانًا يقربني. قافلة الشهداء اليوم هي البوصلة. أصابع الناس تشير نحوها حتى لا نضيع.الشهيد سلامي، الشهيد شانه اي، الشهيد رباني وعائلته، الشهيد محمد باقري، الشهيد محرابي، الشهيد شادماني، الشهيد محمود باقري، الشهيد حاجي زاده، الشهيد رشيد، الشهيد طهرانجي، الشهيد فريدون عباسي، الشهيد محمد كاظمي، الشهيد محمدرضا نصير باغبان، الشهيد حاج رمضان، الشهيد نكوئي.
شارع الحرية، هذه المرة ليس مجرد طريق، بل هو نفسه حكاية؛ حكاية عن الألم، عن الإيمان، عن الوطن. خطوات بدأت من الجامعة، تتجه الآن نحو ساحة اسمها «الحرية»؛ كأن أجساد الشهداء تعيد تعريف هذا الطريق. كل متر من هذا الشارع سطر من التاريخ. كل نظرة وثيقة وفاء.
مرشات المياه تعمل. قطرات الماء تنزل على رؤوس الناس. رغم شمس الظهيرة القوية، لا يزال الجو ماطرًا. ولكن لا أحد يبحث عن مأوى. المطر كأنه غسل تطهيري لمدينة جلست في حداد، لكنها لم تنحنِ. مدينة احترق قلبها، لكنها تنظر إلى المستقبل.
لم تصل القافلة بعد إلى نهاية الطريق. الفتى الآن جالس على كتفي والده. الوردة الحمراء سقطت من يده، لكن نظره لا يزال مثبتًا نحو البعيد. الشيخ لم يعد بحاجة إلى عصاه؛ استقام في وقفته، يقرأ زيارة بهدوء.
امرأة تتقدم من وسط الجموع، ببطء، بعباءة مغبرة ووجه متعب، تضع وردة على أحد التوابيت. لا أحد يسألها: «أم أي شهيد هي؟»؛ وأنا، وسط كل هؤلاء الناس، عيني على مراهق يقف أمام جسد شهيد. يقترب ببطء، يلمس العلم الملفوف على التابوت، ويتمتم بشيء لا يسمعه أحد سواه؛ ثم يعود الصمت وسط الهمهمات. الزمن يعود ليتحرك من جديد. قطرات الماء تتساقط على تراب الشارع، على الوجوه، على التوابيت، على عيون الأطفال. وفي قلب المدينة، كأن شخصًا يهمس في أذن التاريخ:
«طهران، اليوم وقفت مرة أخرى».
رأيك