القرى والعشائر؛ القلب النابض للهویة الإیرانیة
وكالة برنا للأنباء، یُصادف الخامس عشر من شهر «مهر» فی التقویم الإیرانی (۷ أکتوبر) الیوم الوطنی للقرى والعشائر. یُحتفى فی هذا الیوم برجالٍ ونساءٍ یربطون الأرض بالحیاة بیدٍ متعبةٍ وقلبٍ نابضٍ بالأمل. فالقرويون والعشائر لیسوا مجرّد منتجی الغذاء أو حُماة الماشیة، بل هم أوصیاء على الأصالة، واللغة، والفن، والتقالید الإیرانیة. تُقام فی هذا الیوم احتفالات وفعالیات عدیدة فی جمیع أنحاء البلاد لتسلیط الضوء على دورهم المحوری فی الاقتصاد والثقافة والبیئة.
لقد کان القرويون والعشائر على مرّ التاریخ حرّاس الحدود الجغرافیة والثقافیة لإیران. وبأبسط الوسائل استطاعوا تحقیق أکبر الفوائد من الأرض والطبیعة، مستندین إلى معارفهم المحلیة وخبراتهم البیئیة. إنّهم یُجسّدون الرابط الأکبر بین الإنسان والطبیعة، ویُعدّ وجودهم أساساً لا غنى عنه فی تحقیق التنمیة المستدامة والتوازن البیئی فی البلاد.
الاقتصاد الأخضر والحیاة المستدامة فی القرى
تُعتبر القرى المحور الأساسی لتحقيق «الاقتصاد المقاوم» و«الاعتماد الذاتی الوطنی». فالزراعة وتربیة المواشی والحرف الیدویة والسیاحة الریفیة تشکّل أعمدة الاقتصاد الإیرانی. إنّ دعم فرص العمل المستدامة وتطویر البنیة التحتیة وتوفیر التکنولوجیا الحدیثة وتسویق المنتجات بأسالیب ذکیة، کلها خطوات تسهم فی دفع عجلة النمو.
وفی السنوات الأخیرة، أولت الحکومة اهتماماً خاصاً لمشاریع تمکین القرویین وتطویر التعاونیات، فی إشارة واضحة إلى إدراکها العمیق لأهمیة هذا القطاع فی المعادلة الاقتصادیة الوطنیة. القرى هی المنبع الأکبر للأمن الغذائی، وکل استثمار فیها یُعدّ استثماراً فی استقرار البلاد وازدهارها.
العشائر؛ حُماة الأرض وورثة الطبیعة
تُعدّ العشائر الإیرانیة من أقدم الأنظمة الاجتماعیة الحیة فی العالم. فحیاتهم القائمة على التنقل الموسمی تُحافظ على التوازن الطبیعی وتُجسّد نموذجاً فریداً للتعايش بین الإنسان والبیئة. الحرف الیدویة، والموسیقى المحلیة، والأزیاء الملونة، والعادات المتوارثة تُشکّل ثروة ثقافیة وإنسانیة لا تقدّر بثمن.
یؤدی العشائر دوراً حیویاً فی تأمین اللحوم ومنتجات الألبان ومشتقاتها، وهم أحد الأعمدة الرئیسة فی الاقتصاد الزراعی الوطنی. کما یُعتبرون حرّاس المراعی والغابات، وأوصیاء على ثروات الطبیعة. إنّهم یعملون فی صمت، لکنّ بصمتهم تمتدّ إلى کل مکان فی إیران، لتؤکّد أنّهم جیش غیر مرئیّ یحرس الحیاة من بین الجبال والسهول.
القرى الإیرانیة؛ لوحات من الجمال والحیاة
تتمیز إیران بقرى خلّابة تجذب السیّاح من جمیع أنحاء العالم. فمن ماسوله فی محافظة «جیلان» بطابعها السحری وبیوتها المتدرجة على سفح الجبل، إلى أبیانه فی محافظة «أصفهان» بطینها الأحمر وأزیاء نسائها التقلیدیة، وصولاً إلى کندوان فی محافظة «آذربایجان الشرقیة» التی نُحتت بیوتها داخل الصخور.
وفی الجنوب، نجد قرى قشم الیافعة بین البحر والجبل، حیث تمتزج ثقافة البحر بالبیئة الصخریة. أما فی الغرب، فقرى هورامان ذات المدرجات الحجرية تمثل أعجوبة معماریة وثقافیة فریدة. هذه القرى هی لآلئ على خریطة إیران، تجمع بین البساطة والجمال، بین التراث والحداثة. زیارتها لیست مجرّد سیاحة، بل رحلة إلى عمق الهویة الإیرانیة.

صون الثقافة والأصالة والمستقبل
الحفاظ على القرى لا یقتصر على حمايتها جغرافیاً، بل یعنی أیضاً صون الهویة الثقافیة للأمة. فکل قصیدة شعبیة، وکل رقصة محلیة، وکل نغمة تراثیة وُلدت من قلب القرى.
تطویر البیئة الثقافیة فی القرى یجب أن یسیر جنباً إلى جنب مع التقدّم الاقتصادی، حتى یستطیع الشباب القروی أن یرسم مستقبله دون الحاجة إلى الهجرة إلى المدن. فکل مدرسة تُبنى، وکل طریق یُعبّد، وکل مشروع یُنفّذ فی القرى یُعدّ استثماراً فی مستقبل الوطن. الحفاظ على التراث الشعبی واللغات المحلیة یُعزّز من التنوع الثقافی الذی یجعل من إیران وطناً غنيّاً بالألوان والأنغام.
الکلمة الأخیرة من «برنا العربیة»
بمناسبة الیوم الوطنی للقرى والعشائر فی إیران (۱۵ مهر / ۷ أکتوبر)، تتقدّم وكالة «برنا العربیة» بأحرّ التهانی إلى جمیع القرویین والعشائر الذین یعملون بإخلاصٍ وصبرٍ من أجل استقرار البلاد وازدهارها.
إنّ دورهم فی حمایة الأمن الغذائی، وصون التراث الثقافی، وتعزیز التنمیة المستدامة لا یمکن تقدیره بثمن. وتؤکّد «برنا العربیة» على أهمیة دعم السیاسات التنمویة التی تُعنى بتحسین أوضاع القرى والعشائر، وضمان وصول الخدمات الأساسیة إلى جمیع المناطق النائیة. إنّ صوت القرى والعشائر هو صوت الأرض والإنسان، صوت الأصالة والعمل، ویجب أن یبقى مسموعاً دائماً.
*انتهى*