اختصاصي برنا العربي؛ بمناسبة اليوم العالمي للفتاة

الفتاة الإيرانية، مرآةُ المحبة والعقل؛ الثروةُ الخفية لمستقبل إيران

|
۲۰۲۵/۱۰/۱۱
|
۱۵:۴۵:۰۱
| رمز الخبر: ۷۳۶
الفتاة الإيرانية، مرآةُ المحبة والعقل؛ الثروةُ الخفية لمستقبل إيران
في الثقافة الإيرانية الأصيلة، تُعدّ الفتاة رمزاً للطهارة والمودّة والحكمة؛ مكانةٌ نُسجت خيوطها في نسيج الهوية الإيرانية منذ الأسطورة حتى يومنا هذا. ويُشكّل اليوم العالمي للفتاة فرصةً لإعادة قراءة هذه الحقيقة: إنّ ازدهار المجتمع مرهونٌ بصون كرامة الفتيات وتعليمهنّ وتمكينهنّ.

وكالة برنا للأنباء، يُحتفى في الحادي عشر من أكتوبر من كل عام بـ «اليوم العالمي للفتاة»؛ يومٌ للتأمل في دور الفتيات ومكانتهنّ في بناء مستقبلٍ أكثر إشراقاً للبشرية. إلّا أنّه في أرضنا، إيران الثقافة والفكر، كانت للفتاة مكانةٌ أسمى من مجرّد مناسبةٍ عالمية. من أعماق الأساطير القديمة إلى الشعر والأدب الفارسي، تبقى الفتاة رمزاً للحياة والعقل والمحبّة.وقد رأتِ الثقافةُ الإيرانية الأصيلة في تربية الفتيات ليس واجباً عائلياً فحسب، بل مسؤوليةً مقدّسة تقوم عليها نهضةُ الإنسان والمجتمع.

الفتاة في مرآة التاريخ والأدب الإيراني

الفتاة في ثقافة إيران القديمة هي صورة يتّحد فيها الحُبّ والعقل. ففي النصوص القديمة، من «الأڤستا» إلى «الشاهنامه»، تُذكر الفتيات بوصفهنّ حافظاتٍ للخير والحقّ. في ملحمة الفردوسي، لا تظهر الفتيات بوصفهنّ شخصياتٍ سلبية أو ضعيفة، بل كائناتٍ قويّة الإرادة، واعية وشجاعة. «گردآفريد»، فتاة من جيش إيران، تمثّل العقل والشجاعة وحبّ الوطن؛ وقفت أمام سهراب لا بقوة السلاح، بل بحكمة الفكر، فامتدحها الفردوسي وعدّها مثالاً لـ «العقل الأنثوي».
في شعر حافظ، الفتاة رمزٌ للطهارة والجمال الروحي، كما أنّ «ابنة الكَرْم» عنده تمثّل حيوية الحياة ونشوتها، وفي مثنوي مولوي نقرأ عن «بنات العقل» بوصفهنّ إشاراتٍ إلى النور والإلهام.
وفي الأساطير والحكايات الدينية والعرفانية، للفتاة دورٌ ثقافيّ وحضاريّ؛ فهي حاملة رسالة الرحمة والأخلاق والتوازن. وفي الحكايات الشعبية الإيرانية، تظهر الفتيات كرموزٍ للحكمة والرحمة، منقذاتٍ للحياة وهادئاتٍ للنفوس.
إنّ هذه الصور المتكرّرة تُظهر أنّ الإيرانيين منذ القدم لم ينظروا إلى المرأة على أنّها ضعيفة، بل على أنّها مصدرُ الإبداع والبناء. هذه المكانة تمثّل شهادةً على النضج الحضاري لإيران، التي أكّدت على كرامة المرأة والفتاة قبل قرونٍ طويلة من أيّ خطابٍ معاصر.

 الفتاة، رابطة الحبّ والعقل في الأسرة الإيرانية

الأسرة الإيرانية تقوم على ركيزتين: المحبّة والعقل. والفتاة هي نقطة التقاء هاتين القيمتين. في البيت الإيراني، كانت الفتاة دوماً مصدر الأُنس والعاطفة والسكينة. وجودها يملأ البيت دفئاً وحياةً. في التقاليد الإيرانية، يُنظر إلى الأب لا بوصفه مُعيل الأسرة فحسب، بل سنداً ورمزاً للحماية والعطف تجاه بناته، كما أنّ الأمّ هي المعلّمة الأولى للحنان والإنسانية.
الأمثال الفارسية القديمة مليئة بالتقدير للفتيات؛ مثل: «الفتاة زهرةُ البيت» و«الفتاة بركةُ الأب» — وهي تعبيرات عن ثقافة ترى في الفتاة نوراً يُضيء أركان المنزل، لا عبئاً عليه. الفتاة في الأسرة الإيرانية هي الجسر بين الأجيال؛ فهي الحنون على والديها، والرابطة بين الماضي والمستقبل، والمربية الأولى لأطفال الغد. وفي المجتمع الحديث، يزداد تأثير الفتيات في توطيد الروابط العائلية؛ إذ يضطلعن بدورٍ عاطفيّ وثقافيّ في آنٍ واحد. الأسرة التي تُكرم بناتها، تُحيي في داخلها قيمَ الإنسانية والحكمة، لأنّ كل فتاةٍ هي مستقبلُ ثقافةٍ بأكملها.

 فتيات اليوم، أمهاتُ ثقافة الغد

إنّ المجتمع الذي يعلّم فتياته، إنّما يبني مستقبله. فالفتيات اليوم وارثاتُ القيم التي ستشكّل الغد الثقافي لإيران. وقد أثبتنَ حضوراً فعّالاً في ميادين العلم والفنّ والعمل الاجتماعي، مقدّماتٍ صورةً متجدّدةً لجيلٍ إيرانيّ نابضٍ بالحياة. غير أنّ دورهنّ لا يقف عند حدود النجاح الفردي؛ فكل فتاةٍ هي مدرسةُ حبٍّ وأخلاقٍ للمجتمع الآتي. وقد قال الأجداد: «الجنّة تحت أقدام الأمهات» — واليوم يمكننا أن نقول: إنّ المستقبل يقوم على أكتاف الفتيات اللواتي ينشأن على الوعي والكرامة. فتيات اليوم، في عالمٍ سريعٍ تهيمن عليه التكنولوجيا والإعلام، يحملن رسالةَ التوازن بين الأصالة والتجديد. لقد تعلّمن أنّ التقدّم لا يعني الانفصال عن الجذور، بل إقامةُ صلةٍ جديدةٍ بين التراث والحداثة. ولذلك فإنّ تكريم الفتاة ليس شعاراً عاطفياً، بل مسؤوليةٌ ثقافيةٌ ووطنية. الاستثمار في تعليم الفتيات وصحّتهنّ وسلامتهنّ النفسية هو في الحقيقة استثمارٌ في بقاء الثقافة الإيرانية ونموّها.

 نظرة جديدة مستوحاة من الثقافة الإيرانية

إنّ يوم الفتاة العالمي ليس مناسبةً للتهنئة فحسب، بل فرصةٌ للتأمّل في الصورة التي نرسمها للفتاة في مجتمعاتنا. في الثقافة الإيرانية، احترام المرأة والفتاة أصلٌ من أصول الأخلاق. فـ «الخلق الحسن» في الفكر الإيراني يبدأ من المرأة؛ إذ تُعدّ الإلهة «أناهيتا» في الميثولوجيا رمزاً للطهارة والخصب والعقل — رموزٌ ظلّت حاضرةً في وجدان الإيرانيين عبر القرون. وفي العصر الحديث، أكّد مفكّرون إيرانيون — من علي شريعتي إلى سيمين دانشور — أنّ نهوض المجتمع لا يتحقّق إلا بنهوض نسائه وفتياته.
فالثقافة الإيرانية، على خلاف كثيرٍ من الحضارات القديمة، لم ترَ في المرأة أداةً، بل مصدرَ معنى وخلقٍ وجمال. واليوم، في يوم الفتاة العالمي، فإنّ العودة إلى هذه الجذور الأصيلة قد تكون دليلاً لمستقبلٍ أفضل. فالمجتمع الذي يُنصف فتياته ويمنحهنّ الاحترام والحرية وفرص النموّ، هو مجتمعٌ يحفظ حياته واستمراره. تعلّمنا الثقافة الإيرانية أنّ الفتاة ليست نصف العالم فحسب، بل هي كلّ مستقبل العالم.

*انتهي*

رأيك