إيران تنضم إلى قائمة منتجي دواء مضاد للتليف الرئوي
وكالة برنا للأنباء- زهرا وجداني: في العقود الأخيرة، أصبحت الأمراض المزمنة والمتقدمة في الجهاز التنفسي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه أنظمة الصحة في جميع أنحاء العالم. ومن بين هذه الأمراض، يُعتبر التليف الرئوي (Pulmonary Fibrosis) من أكثر الأمراض الرئوية تعقيدًا وفتكًا؛ فهو مرض يسبب تدريجيًا تندب أنسجة الرئة، وصلابتها، وتقليل قدرة الرئة على امتصاص الأوكسجين، وفي النهاية يفقد المريض القدرة على التنفس بشكل طبيعي. حتى الآن، لا يوجد علاج قطعي لهذا المرض، وقد نجحت بعض الأدوية فقط في إبطاء تقدم المرض.
على مستوى العالم، يُعتبر دواء نينتيدانيد (Nintedanib) واحدًا من العلاجات القليلة المعتمدة للتحكم في التليف الرئوي، حيث يعمل على تثبيط المسارات الجزيئية التي تسبب تكوّن الأنسجة الليفية، مما يحافظ على وظائف الرئة ويمنح المرضى فرصة للعيش لفترة أطول وبجودة حياة أفضل. ومع ذلك، فإن السعر المرتفع لهذا الدواء وقيود الوصول إليه في البلدان النامية، بما في ذلك إيران، كانت دائمًا عائقًا رئيسيًا أمام علاج المرضى.
في مثل هذه الظروف، يُعتبر إنتاج دواء أوفنيب (Ofenib) المحلي، النسخة الإيرانية من نينتيدانيد، من قبل إحدى الشركات المعرفية المستقرة في حديقة التكنولوجيا في پرديس، نقطة فارقة في طريق الاكتفاء الذاتي الدوائي وأملًا جديدًا للمرضى الإيرانيين. تم إنتاج هذا الدواء بتركيزين 100 و150 مليغرام، ودخل السوق المحلي بسعر أقل بكثير من الأنواع الأجنبية؛ وهو خطوة يمكن أن تسهم في تسهيل علاج مئات المرضى المصابين بالتليف الرئوي في البلاد.
في هذا التقرير، سنقوم بمراجعة شاملة لأبعاد هذا الإنجاز الوطني، بدءًا من التعريف العلمي بمرض التليف الرئوي وآلية تأثير دواء نينتيدانيد، إلى التفاصيل الفنية والاقتصادية لإنتاج دواء أوفنيب المحلي، والتحديات والأهداف التي سعى إليها الفريق البحثي، ورؤية المستقبل للعلاج في إيران، ودور هذا الابتكار في تحسين جودة حياة المرضى.

المرض الصامت بتقدمه التدريجي والقاسي
التليف الرئوي (Pulmonary Fibrosis) هو نوع من الأمراض الرئوية التي يتعرض فيها نسيج الرئة للتلف غير القابل للرجوع. مع مرور الوقت، تؤدي هذه التليفات إلى تصلب نسيج الرئة وتقليل القدرة على امتصاص الأوكسجين. يعاني المرضى تدريجيًا من ضيق التنفس، السعال الجاف، التعب المزمن، وانخفاض القدرة البدنية. يمكن أن يكون هذا المرض ناتجًا عن عدة عوامل؛ مثل التعرض الطويل للمواد الكيميائية أو الغبار، أو الأمراض المناعية الذاتية، أو أسباب غير معروفة والتي يطلق عليها الأطباء التليف الرئوي مجهول السبب (IPF).
حتى السنوات الأخيرة، كان علاج هؤلاء المرضى يقتصر على الأدوية الداعمة والرعاية التلطيفية، وكان الكثير منهم يفتقرون إلى الأمل في السيطرة على المرض. من بين الأدوية المتاحة، كان نينتيدانيد (Nintedanib) وبيرفينيدون (Pirfenidone) هما الخيارين المعتمدين من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لإبطاء تقدم التليف.
نينتيدانيد؛ دواء لإبطاء مسار تدمير أنسجة الرئة
يعد نينتيدانيد من بين الأدوية القليلة التي أثبتت فعاليتها في السيطرة على تقدم التليف الرئوي. يعمل هذا الدواء من خلال تثبيط إنزيمات التيروسين كيناز (Tyrosine Kinase Inhibitor) التي تلعب دورًا في عملية تكاثر خلايا الألياف التليفية وتكوين الأنسجة الليفية. نتيجة لذلك، يعمل نينتيدانيد على إيقاف المسارات الجزيئية التي تسبب تكوّن الندوب في الرئة، مما يقلل من سرعة تقدم المرض ويساعد على الحفاظ على القدرة التنفسية وتحسين جودة حياة المرضى.
ومع ذلك، فإن السعر المرتفع لدواء نينتيدانيد وقيود استيراده قد جعلت العديد من المرضى في إيران محرومين من الوصول إلى هذا الدواء. وفقًا للخبراء، كان سعر النسخة المهربة من هذا الدواء في البلاد يزيد عن ألف دولار شهريًا؛ وهو مبلغ كان غير قابل للتحمل بالنسبة لمعظم المرضى، مما جعل العديد منهم يضطرون في النهاية إلى التوقف عن العلاج.

أول نينتيدانيد محلي من إنتاج إيران
في هذا السياق، تمكنت إحدى الشركات المعرفية الإيرانية الناشطة في مجال الأدوية المتقدمة من إنتاج النسخة المحلية لهذا الدواء تحت اسم أوفنيب (Ofenib)، بالاعتماد على القدرات الداخلية، والمعرفة الفنية، والمعدات الحديثة.
وفي حديثها مع مراسل وكالة برنا للأنباء، أكدت مريم نوابخش، عضو قسم الطب في شركة داروسازان سانا فارمد، أن هذا الدواء سيدخل السوق في الأيام القليلة المقبلة، وقالت: «تم إنتاج دواء أوفنيب بتركيزين 100 و150 مليغرام. هذا المنتج هو دواء تخصصي لمرض التليف الرئوي، تم إنتاجه بنفس جودة النسخ الدولية، وسيكون قريباً متاحاً في الصيدليات المختارة للمصابين. هذه الخطوة يمكن أن تمنح أملاً جديداً للمرضى الذين انتظروا مثل هذا الدواء لسنوات.»
ضرورة إنتاج الدواء المحلي: من التهريب إلى الاكتفاء الذاتي العلاجي
وفي شرحها لضرورة إنتاج هذا الدواء، تقول نوابخش: «التليف الرئوي هو مرض تقدمي لم يكن له علاج نهائي حتى الآن. كان العديد من المرضى يتوقفون عن العلاج بسبب ارتفاع أسعار الأدوية المستوردة أو عدم توفرها في السوق. بل إن بعض المرضى كانوا مضطرين لشراء الدواء من السوق غير الرسمية بأسعار تزيد عن ألف دولار شهرياً. هذا الأمر كان يؤدي إلى استبعاد المرضى من دورة العلاج وللأسف، فقد الكثير منهم حياتهم.»
وتؤكد هذه الباحثة أن الهدف الرئيسي للشركة من إنتاج أوفنيب محليًا هو توفير الوصول العادل للمرضى إلى العلاج القياسي وتقليل التكاليف. وأضافت: «لقد قمنا بالاعتماد على فريق بحث وتطوير قوي واستخدام خطوط إنتاج دوائية متقدمة لضمان إنتاج دواء بجودة عالمية، حتى لا يضطر المرضى الإيرانيون إلى الاعتماد على طرق غير قانونية ومخاطرة للحصول على دوائهم الحيوي.»

التطبيقات السريرية لأوفنيب في أنواع التليف الرئوي
تم تصميم دواء أوفنيب بشكل خاص لعلاج والسيطرة على أنواع مختلفة من التليف الرئوي التدريجي. وتوضح نوابخش عن مجالات استخدام هذا الدواء قائلةً: «أوفنيب يستخدم في علاج التليف الرئوي مجهول السبب (IPF)، والتليف الرئوي الناتج عن الأمراض المناعية الذاتية مثل التصلب الجهازي (Systemic Sclerosis)، وأشكال أخرى من التليف الرئوي التدريجي. غالبًا ما ترتبط هذه الأمراض بتدمير تدريجي لأنسجة الرئة، وقبل استخدام هذا الدواء، كان المرضى يفتقرون إلى أمل في التحسن أو يحتاجون في النهاية إلى الدخول إلى وحدة العناية المركزة (ICU).»
من الناحية العلمية، يعمل نينتيدانيد في جميع هذه الحالات على تثبيط المسارات FGFR وPDGFR وVEGFR، التي تلعب دورًا في نمو الأنسجة الليفية غير الطبيعية، مما يساعد على التحكم في تقدم المرض.
من انتهاء براءة الاختراع العالمية إلى بدء الإنتاج المحلي
إحدى النقاط المهمة في إنتاج أوفنيب هي انتهاء فترة براءة الاختراع العالمية لدواء نينتيدانيد. تشرح نوابخش في هذا الصدد قائلةً: «كانت شركة بورينجر إينغلهيم (Boehringer Ingelheim) في ألمانيا هي المالكة الأصلية لبراءة اختراع نينتيدانيد، وقد انتهت هذه البراءة منذ حوالي خمسة إلى ستة أشهر. بعد ذلك، دخلت شركات مثل Glenmark في الهند إلى مجال إنتاج هذا الدواء. ومع الاستفادة من هذه الفرصة، تمكنا نحن أيضًا من إنتاج النسخة المحلية في إيران.»
وأضافت قائلة: «لا يمكننا أن نقول أننا متفوقون من الناحية الفنية على الشركات العالمية الكبرى، لكننا حافظنا على نفس المعايير الجودة وبسعر أقل بكثير، وتمكنا من إنتاج دواء يحتاجه المرضى الإيرانيون بشكل حيوي. وهذا يعد نجاحًا كبيرًا في مسار الاكتفاء الذاتي الدوائي في البلاد.»

جودة عالمية بسعر إيراني
في السوق العالمية، يُعتبر نينتيدانيد من الأدوية المكلفة في مجال الأمراض الرئوية. تباع النسخ المستوردة من هذا الدواء في الولايات المتحدة وأوروبا بسعر حوالي 1000 دولار شهريًا. ولكن تمكنت هذه الشركة التكنولوجية من تقليل السعر النهائي إلى أقل من خُمس السعر العالمي من خلال استخدام المواد الخام المحلية وتوطين تكنولوجيا الإنتاج.
وتؤكد نوابخش قائلةً: «هدفنا منذ البداية لم يكن مجرد التصنيع التجاري. الهدف كان إعادة الأمل للمرضى وتوفير إمكانية استمرار الحياة لهم. البشر لديهم الحق في الحياة والطموح، ومن واجبنا الحفاظ على هذا الحق لهم.»
الأمان، الآثار الجانبية، ومتطلبات استخدام الدواء
مثل أي دواء مضاد للتليف الرئوي، يحتوي أوفنيب أيضًا على آثار جانبية معروفة. أكثر الآثار الجانبية شيوعًا هي الآثار المعوية مثل الغثيان، والإسهال، وفقدان الشهية. وفي هذا الصدد، قالت نوابخش: «يجب على جميع المرضى استخدام هذا الدواء تحت إشراف طبيب متخصص في أمراض الرئة أو أخصائي أمراض الرئة بين الأنسجة (Interstitial Lung Diseases). يجب الالتزام بالبروتوكولات الدقيقة لمراقبة المرضى، بما في ذلك فحص وظائف الكبد، وضبط جرعة الدواء، والمتابعة السريرية للمرضى، لتحقيق أقصى درجات الأمان والفعالية.»
كما تؤكد أن فريق التنظيم الطبي في الشركة، بالتعاون المستمر مع الجمعيات العلمية والمراكز الأكاديمية في البلاد، يشرف على الاستخدام الآمن والعلمي لهذا الدواء، ويجمع البيانات السريرية للمرضى لتحسين مستمر لجودة الدواء.

تطوير تكنولوجيا الأدوية في إيران؛ من الفكرة إلى الإنتاج
إنتاج أوفنيب ليس مجرد إنجاز دوائي؛ بل هو علامة على نضوج تكنولوجيا الأدوية في البلاد. وفقًا لمديري هذا المشروع، يشمل مسار الإنتاج مراحل معقدة من تخليق المواد الفعالة (API)، والرقابة متعددة المراحل على الجودة، واختبارات التوافر البيولوجي (Bioavailability)، والحصول على الشهادات المخبرية.
تم تنفيذ هذا المشروع بالتعاون مع خبراء في الكيمياء الصيدلانية، والدوائيات، ومراقبة الجودة، وهندسة الأدوية، وتمكن من تلبية جميع متطلبات هيئة الغذاء والدواء الإيرانية لدخول السوق.
وفيما يتعلق بالجانب الإنساني للمشروع، تقول نوابخش: «يعتبر التليف الرئوي من الأمراض النادرة، ويحتاج مرضى هذا الفئة إلى دعم اجتماعي وعلاجي واسع النطاق. لقد بذلنا جهدًا لتقليل بعض من قلق المرضى وعائلاتهم من خلال توفير الدواء المحلي. بالإضافة إلى إنتاج الدواء، هناك أيضًا برامج جارية لتدريب الأطباء، وزيادة الوعي بين المرضى، وتقديم خدمات الدعم بعد البيع.»

رؤية خمسية: السيطرة على المرض وتحسين جودة الحياة
أظهرت الأبحاث السريرية العالمية أن الاستخدام المستمر لنينتيدانيد يمكن أن يزيد من عمر المرضى المصابين بالتليف الرئوي بين 9 إلى 11 عامًا، ويقلل بشكل ملحوظ من سرعة تدهور وظائف الرئة. وفي هذا الصدد، توضح نوابخش قائلةً: «هدفنا النهائي ليس علاج المرض بشكل نهائي، لأنه في الوقت الحالي لا توجد إمكانية لذلك، ولكن من خلال السيطرة على المرض، يمكننا أن نمنح المرضى فرصة أكبر للحياة. يمكن لأوفنيب أن يبطئ من تقدم المرض ويوفر فرصة لاستمرار الحياة بجودة أفضل للمرضى.»
نظرة إلى المستقبل: من توطين الإنتاج إلى التصدير
يُعتبر إنتاج أوفنيب نقطة البداية في مسار الاكتفاء الذاتي في مجال الأدوية المتقدمة. وأعلنت الشركة المنتجة أنها تخطط في المستقبل، بالإضافة إلى تلبية احتياجات السوق المحلي، إلى توفير فرص لتصدير هذا الدواء إلى دول المنطقة.
وبالنظر إلى انتهاء براءة اختراع نينتيدانيد والقدرات الفنية التي تم تطويرها داخل إيران، يمكن أن تصبح إيران واحدة من الشركات الرئيسية المنتجة للأدوية المضادة للتليف الرئوي في المنطقة. كما أن هناك خططًا لتطوير تركيبات جديدة، ودراسة تأثير الدواء في أمراض تليفية أخرى، وتنفيذ تجارب سريرية مشتركة مع الجامعات الطبية في البلاد.

إنتاج دواء أوفنيب (Ofenib) كنسخة محلية من الدواء العالمي نينتيدانيد (Nintedanib) يمكن أن يُعتبر نقطة هامة في مسار تطوير تكنولوجيا الأدوية في إيران. من الناحية العلمية، دخول مجال إنتاج الأدوية التي تعمل عن طريق تثبيط التيروسين كيناز (TKI) يشير إلى أن القدرة الفنية والمعرفية لتصميم وإنتاج الأدوية المستهدفة قد تم تطويرها في البلاد. تحقيق المعايير الجودة المشابهة للنسخ العالمية المرجعية يُعد خطوة فعّالة نحو التوافق مع المعايير العالمية في الجودة.
من الناحية السريرية، يمكن أن يُستخدم دواء أوفنيب كخيار علاجي متاح للمرضى المصابين بأنواع التليف الرئوي، وخاصة التليف الرئوي مجهول السبب (IPF) والأشكال الثانوية الناتجة عن الأمراض المناعية الذاتية. وعلى الرغم من أن هذا الدواء لا يُعتبر علاجًا نهائيًا، إلا أن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن استهلاكه المستمر يمكن أن يبطئ تدهور وظائف الرئة ويزيد من عمر المرضى.
من الناحية الاجتماعية، يمكن أن يؤدي توفر دواء أوفنيب إلى تقليل الضغط النفسي والاقتصادي على المرضى المصابين بالتليف الرئوي وعائلاتهم. ومع ذلك، لن يتحقق النجاح الحقيقي لهذا المشروع إلا عندما يتم تعزيز البنية التحتية للرصد بعد التسويق (Post-Marketing Surveillance)، وتدريب الأطباء على الوصفات المناسبة، وتعزيز التعاون بين المراكز العلاجية وشركات الأدوية.
استمرار مثل هذه المشاريع يمكن أن يمهد الطريق لإيران نحو التنمية المستدامة في مجال الأدوية المعقدة والمبتكرة؛ ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب نظرة استراتيجية، واستثمارًا موجهًا، ونظامًا رقابيًا فعالًا.
وفي النهاية، يطرح سؤال أساسي أمام نظام الصحة في البلاد: هل يستطيع نظام الصحة الإيراني أن يتجاوز إنتاج دواء محلي ليخلق بنية تحتية مستدامة لتطوير الأدوية المبتكرة، والمراقبة العلمية المستمرة، والتعاون بين الصناعة، والجامعات، والهيئات التأمينية؟
*انتهى*