حملة «لا للملك» في مواجهة نزعة ترامب السلطوية
وأفادت وكالة برنا للأنباء، أنّ هذه الاحتجاجات تأتي بالتزامن مع إغلاق الحكومة الفدرالية والسياسات الجمركية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب، والتي أدّت إلى اضطرابٍ مستمرّ في الأسواق وأثّرت سلباً على الحياة اليومية للمواطنين الأمريكيين.
وحمل المتظاهرون لافتاتٍ كُتب عليها شعاراتٌ مثل «لا شيء أكثر وطنيةً من الاحتجاج» و «قاوِم الفاشية»، تعبيراً عن رفضهم لما وصفوه بانحراف المسار السياسي للبلاد.
وتُعدّ هذه ثالثَ تعبئةٍ جماهيريةٍ واسعة منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتأتي في وقتٍ يستمر فيه إغلاق الحكومة الفدرالية، وهو وضعٌ لم يؤدِّ فقط إلى تعطيل العديد من البرامج والخدمات العامة، بل هزّ أيضاً توازن القوى بين الكونغرس والسلطة التنفيذية والمؤسسة القضائية.
ويصف المنظّمون هذا الوضع بأنه «انزلاقٌ للولايات المتحدة نحو السلطوية»، محذّرين من مخاطر تراجع الديمقراطية الأمريكية تحت قيادة ترامب.
وامتلأت ساحات تايمز في نيويورك، والحديقة التاريخية "بوستون كومِن"، وحديقة غرانت في شيكاغو، وواشنطن العاصمة، ومئات الساحات العامة الأخرى بالحشود الغاضبة من المواطنين الذين خرجوا رفضاً لسياسات الإدارة الأمريكية.
وشكّل تحالفٌ من الجماعات ذات التوجّه اليساري الجهةَ المنظِّمة لهذه التظاهرات الوطنية ضدّ حكومة ترامب. وكان هذا التحالف قد نظّم في شهر حزيران/يونيو الماضي فعاليةً احتجاجيةً مشابهة، خرج خلالها ملايين الأشخاص في مختلف أنحاء الولايات المتحدة تزامناً مع العرض العسكري الذي نظّمه ترامب في واشنطن.
ويحمل اسم الحملة «لا للملك» إشارةً رمزيةً إلى الفكرة القائلة بأنّ الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون لها حُكّامٌ مطلقو الصلاحية، في تلميحٍ واضحٍ إلى السلوكيات المتزايدة النزعة نحو الدكتاتورية لدى ترامب.
وجاء في الموقع الرسمي لحملة "لا للملوك" أنّ شعار الحملة «لا للملوك» ليس مجرد شعارٍ سياسي، بل هو الأساس الذي يجتمع حوله المحتجّون المطالبون بإدارةٍ ديمقراطيةٍ حقيقيةٍ للولايات المتحدة.
وأوضح البيان المنشور على الموقع أنّ هذا الشعار «انبثق من الشوارع، وصرخ به الملايين، وحُمل على اللافتات والهتافات، وردّدته الأصوات من الأحياء الكبرى إلى ساحات المدن الصغيرة، ليُوحّد أبناء هذا البلد في نضالهم ضدّ الديكتاتورية.»
وفي حين أنّ الاحتجاجات السابقة هذا العام – ضدّ قرارات إيلون ماسك في الربيع، ثمّ ضدّ العرض العسكري لترامب في حزيران/يونيو – قد دفعت أعداداً كبيرة من الأمريكيين إلى الشوارع، يقول المنظِّمون إنّ الحركة الحالية آخذةٌ في التشكّل كمعارضةٍ أكثر توحّداً وتنظيماً.
وشارك عددٌ من الشخصيات الديمقراطية البارزة، من بينهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر والسيناتور المستقل بيرني ساندرز، في هذه الاحتجاجات. ويرى المنظِّمون أنّ هذه المشاركة تمثّل ردّاً مباشراً على سياسات إدارة ترامب التي تشمل تقييد حرية التعبير والمداهمات ذات الطابع العسكري ضدّ المهاجرين.
ودعا منظّمو حركة «لا للملوك» المشاركين في المظاهرات إلى ارتداء اللون الأصفر تعبيراً عن الوحدة والتضامن، وليكون علامةً بصريةً لافتة توحّد صفوف المتظاهرين وتربطهم بالحركات الداعمة للديمقراطية حول العالم. وأوضح المنظِّمون أنّ اللون الأصفر رمزٌ مشترك يذكّر بأنّ السلطة المطلقة في الولايات المتحدة تعود إلى الشعب.
وتجري هذه الاحتجاجات في وقتٍ صعّد فيه ترامب من مواقفه ضدّ المعارضين، مستهدفاً المهاجرين المشاركين في التظاهرات، ومشدّداً الضغط على المؤسسات المدنية التي يراها عقبة أمام تنفيذ سياساته. كما ركّز على إحكام السيطرة الإعلامية وفرض سلوكياته غير المتوقعة كنهجٍ سياسيٍّ سائد، فيما تتزايد في البلاد حالات العنف السياسي.
وفي ردٍّ على سؤالٍ حول وجود عناصر من أجهزة الهجرة في مواقع الاحتجاجات، قالت تريشا ماكلاكلين، نائبة وزير الأمن الداخلي: "كما جرت العادة، فإنّ قوات الأمن الداخلي ستواصل تطبيق قوانين بلادنا."
وأوضحت الحملة في بيانها على موقعها الإلكتروني أنّ التظاهرات نُظّمت بطريقةٍ تسمح بتوسيع نطاق الاحتجاجات في الأحياء والمناطق المختلفة، مؤكدةً أنّها تتوقّع من جميع المشاركين الالتزام بالقانون والعمل على خفض أيّ توتّرٍ محتملٍ مع المعارضين لقيم الحركة.
أما الحزب الجمهوري، فقد سعى إلى تصوير المشاركين في احتجاجات السبت على أنهم متطرفون خارجون عن التيار الرئيسي للسياسة الأمريكية، محمِّلاً إياهم مسؤولية استمرار إغلاق الحكومة الفدرالية. ووصف قادة الحزب – من البيت الأبيض إلى الكونغرس – المتظاهرين بأنهم «شيوعيون» و«ماركسيون».
وقال مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي: "أحثّكم على أن تنظروا إلى مَن يشارك في هذه التجمعات. إنهم أشخاصٌ يكرهون الرأسمالية... إنهم ماركسيون نشطون في الميدان." وفي المقابل، كتب بيرني ساندرز في منشورٍ على صفحته في فيسبوك قائلاً: "هذا التجمع هو تعبيرٌ عن حبٍّ لأمريكا، لا عن كراهيتها."
وقالت دانا فيشر، أستاذة في الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة ومؤلفة عدة كتبٍ عن الحركات الاحتجاجية، إنّ هذه التظاهرات قد تمثّل أكبر مشاركةٍ احتجاجيةٍ في التاريخ الأمريكي الحديث.
وأضافت فيشر: "الهدف الأساسي من هذا اليوم هو تعزيز الشعور بالهوية الجماعية لدى جميع من يشعرون بأنهم تعرّضوا للاضطهاد أو التهديد من قبل إدارة ترامب. قد لا تغيّر هذه الاحتجاجات سياسات ترامب، لكنها ستمنح السياسيين المعارضين مزيداً من القوة والشجاعة على مختلف مستويات السلطة."
وخلال تجمع «لا للملوك» في واشنطن العاصمة، وصف السيناتور كريس مورفي الرئيسَ دونالد ترامب بأنّه «أكثر الرؤساء فساداً في تاريخ الولايات المتحدة». وأشار مورفي في كلمته إلى إغلاق الحكومة الفدرالية، واصفاً إياه بـ «عطلةٍ قسريةٍ مفروضةٍ على البلاد» من قبل الجمهوريين خلال الأسابيع الخمس الماضية.
وقال مورفي: "إنّ ترامب يعتقد حقاً أنه ملك، ويتخيّل أنّ بإمكانه، أثناء إغلاق الحكومة، أن يتصرّف بفسادٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى. لكنه لا يستطيع ذلك؛ فحتى في ظلّ الإغلاق، لا يمتلك أيّ صلاحياتٍ جديدة أو إضافية."
وأضاف: "الواقع أنّه ينفّذ خطةً دقيقةً ومنهجيّةً لتدمير كلّ ما يحمي ديمقراطيتنا: حرية التعبير، والانتخابات النزيهة، والإعلام المستقل، وحقّ الاحتجاج السلمي. لكنه لم ينتصر بعد، فالشعب ما زال هو من يحكم هذا البلد."
ومن جانبه، أكّد السيناتور رافاييل وُورنوك في خطابه أنّه لن يتراجع عن موقفه حيال إعادة فتح الحكومة الفدرالية ما لم تُرفع التهديدات المرتبطة بارتفاعٍ حادّ في تكاليف التأمين الصحي الناتجة عن مشروع ترامب المسمّى «مشروع القانون الكبير والجميل». وانتقد وورنوك بشدّة طرد موظفي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والتدخلات السياسية في قطاع الصحة العامة، معتبراً إيّاها دليلاً آخر على تجاوزات الإدارة الحالية وابتعادها عن المعايير الديمقراطية.
*انتهى*