مهرجان برسالة من رئيس الجمهورية، تكريم لذكرى ناصر تقوائي وبحضور طلاب المدارس.
وكالة برنا للأنباء، يُعَدّ مهرجان طهران للأفلام القصيرة واحدًا من أبرز وأعرق الفعاليات السينمائية في إيران، وقد تحوّل على مدى سنوات إلى منصة لعرض الأعمال الإبداعية واكتشاف المواهب الجديدة. في الدورة الثانية والأربعين من هذا المهرجان، برز توجّه جديد من حيث الأجواء التنظيمية والرسائل الثقافية والاجتماعية، إضافةً إلى الحضور الواسع للجيل الشاب. هذا العام، وبالتزامن مع تكريم ذكرى المخرج الكبير ناصر تقوائي، جاءت رسالة رئيس الجمهورية ومشاركة طلاب معاهد الفنون لتجسّد رؤية جديدة نحو مستقبل السينما الإيرانية. ويبدو أنّ هذا المهرجان، أكثر من أي وقت مضى، قد انشغل بقضايا الشباب الاجتماعية والثقافية والتعليمية، ساعيًا إلى تقديم السينما الإيرانية كأداة مؤثرة على الساحة العالمية.
رسالة الرئيس؛ التأكيد على الشباب ومستقبل السينما
أحد أبرز الأحداث في هذا المهرجان كان إرسال رسالة رسمية من مسعود پزشکیان، رئيس الجمهورية الإيرانية. ولأول مرة في تاريخ المهرجان، دعم أعلى مسؤول تنفيذي في البلاد هذا الحدث، واصفًا المهرجان بأنه «نافذة نحو أفق الأمل» للأجيال الشابة وصناع السينما في المستقبل. في رسالته، أكد الرئيس أن السينمائيين الشباب في إيران هم «أوراق الشجرة الخضراء في شجرة إيران الثقافية»، وأنه من خلال إبداعهم وابتكارهم، سيرسمون مستقبل السينما في البلاد.
تُظهر هذه الرسالة الدعم الحكومي للسينما الشبابية، بالإضافة إلى تأكيد دور السينما كأداة هامة في نقل الرسائل الاجتماعية والثقافية داخل وخارج حدود إيران. السينما القصيرة تُعد أداة قوية بيد الشباب للتعبير عن قضايا المجتمع ورؤاهم بشكل مبتكر وجذاب.

ذكرى ناصر تقوائي؛ احترام لتراث السينما الإيرانية
افتتاح المهرجان هذا العام تزامن مع تكريم الراحل ناصر تقوائي، أحد أعظم صناع السينما الإيرانية. تقوائي الذي توفي مؤخرًا، كان له أثر كبير في تطوير السينما الإيرانية وأثبت أن السينما يمكن أن تكون أداة مؤثرة في تحليل المجتمع من خلال الأفلام ذات الطابع الفكري والمستقل.
تكريم تقوائي في هذا المهرجان يعبّر عن الاحترام لـ السينما المؤلفة و الفن السينمائي الأصيل، الذي يمثل جوهر السينما الإيرانية. في وقت تتزايد فيه السينما التجارية والأفلام الاستهلاكية، فإن العودة إلى تقاليد السينما التي تركز على الرسائل الإنسانية والاجتماعية يُعد بمثابة استعادة للهوية الحقيقية لهذا الفن.

العودة إلى إيران مال؛ هل هي مكان للفن أم للعرض التجاري؟
من الأحداث البارزة في الدورة الحالية، كان عودة المهرجان إلى مجمع إيران مال. على الرغم من أن إيران مال يتمتع بإمكانيات فنية رائعة وصالات مجهزة، إلا أن موقعه البعيد عن وسط المدينة لا يزال يُثير بعض الانتقادات.
هذه المسافة يمكن أن تؤثر على الوصول العام إلى المهرجان، مما قد يثني العديد من المشاهدين والمشاركين من حضور الحدث. رغم اتخاذ تدابير مثل تخصيص حافلات مجانية وعروض خاصة من شركات التاكسي الإلكترونية، إلا أن هذا الموضوع يظل محورًا مهمًا للنقاش. هذا يُطرح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمهرجان ثقافي عام يجب أن يكون في متناول جميع فئات المجتمع.

حضور الطلاب؛ استثمار في المستقبل
أحد الابتكارات الكبرى في هذا المهرجان كان دعوة طلاب مدارس الفنون لحضور فعاليات المهرجان. وفقًا للتخطيط، سيتم دعوة مجموعة من الطلاب يوميًا لزيارة المهرجان والتعرف على عالم السينما والأفلام القصيرة.
هذا البرنامج يُظهر أهمية الاستثمار في الجيل القادم من السينمائيين، حيث يمكن أن يوفر للمراهقين فرصة للتفاعل المباشر مع العالم السينمائي الحقيقي. مثل هذه المبادرات، إذا استمرت، يمكن أن تساهم في ربط التعليم الفني بالواقع السينمائي، مما يوفر للجمهور الشاب الفرصة للازدهار في هذا المجال.
في الواقع، يُعد هذا الحضور بمثابة استثمار ثقافي طويل المدى، يُمكن أن يُفضي إلى اكتشاف مواهب جديدة يمكن أن تُشكل مستقبل السينما الإيرانية.

أجواء المهرجان؛ روح جديدة في قلب السينما القصيرة
كانت أجواء اليوم الأول من المهرجان حيوية للغاية، حيث امتلأت الصالات بالمشاركين من الشباب وصناع الأفلام والصحفيين. في ردهات المهرجان، كان هناك نقاشات مستمرة حول الأفلام التي يتم عرضها، مثل أفلام "الرمان" و "أنا آتٍ لأبحث عنك" و "شعر"، التي كانت الأكثر تداولًا بين الحضور. أجواء المهرجان كانت مليئة بالحيوية والاحتكاك الفكري بين المشاركين، وهو ما يعكس الحماس الكبير للشباب الذين لا يهتمون بالتسويق التجاري أو الأضواء، بل يركزون على التعبير الفني والتجربة السينمائية الحقيقية.


السينما القصيرة؛ منصة انطلاق نحو المستقبل
الدورة الثانية والأربعون من مهرجان طهران للأفلام القصيرة أكدت أن السينما القصيرة في إيران لا تزال حية ومتجددة. من خلال رسالة الرئيس، تكريم الراحل ناصر تقوائي، العودة إلى إيران مال، وإشراك الطلاب في الحدث، يظهر أن المهرجان يسعى بشكل مستمر إلى تطوير وتفعيل السينما كأداة مؤثرة على الصعيدين الثقافي والاجتماعي. رغم التحديات اللوجستية والتنظيمية، يظل المهرجان مصدرًا للإلهام والتغيير الاجتماعي، ومنصة انطلاق لأجيال جديدة من صناع السينما الذين سيشكلون مستقبل السينما الإيرانية. إذا استمر المهرجان في هذه المسيرة، فقد يصبح ساحة ثقافية فاعلة ليس فقط على المستوى المحلي ولكن أيضًا على المستوى الدولي.
