بمناسبة 25 من تشرين الأول، يوم الفنان العالمي؛

الفنّان؛ خالق المعنى في عالمٍ مضطرب

|
۲۰۲۵/۱۰/۲۵
|
۱۵:۱۶:۰۲
| رمز الخبر: ۸۲۴
الفنّان؛ خالق المعنى في عالمٍ مضطرب
يُحتفل في الخامس والعشرين من تشرين الأول من كل عام بـ اليوم العالمي للفنان (International Artist’s Day)، وهو مناسبة لتكريم المبدعين الذين يضفون على الحياة عمقًا ومعنى. هذا اليوم يذكّرنا بالدور الفريد للفن في تشكيل الهوية الثقافية والوجدانية للإنسان، فالفنان ليس مجرد صانع للجمال، بل مفسّر للحقيقة وضمير المجتمع الحيّ. إنها فرصة للتأمل في الأثر العظيم الذي يتركه الفنانون في الوعي الإنساني، وللاعتراف بدورهم في بناء عالمٍ أكثر فكرًا وسلامًا.

 وكالة برنا للأنباء، في عالمٍ مثقلٍ بالأزمات العاطفية والاجتماعية والبيئية، يظلّ الفنانون في طليعة من يوقظون الوعي ويزرعون الأمل. ينظرون إلى الواقع بعينٍ مختلفة؛ عينٍ ترى في الألم معنى، وفي الظلمة نورًا. فمنذ أن خطّ الإنسان أولى رسومه على جدران الكهوف، والفنّ هو اللغة المشتركة للبشرية؛ اللغة التي تعبّر عن الوجدان الإنساني وتتجاوز حدود الزمن والمكان. إنّ اليوم العالمي للفنان مناسبة للتذكير بأنّ الفن ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. هو الذي ينقذ الإنسان من التكرار والجمود واللاهوية. الفنان، بحسّه المرهف، يرى ما لا يراه الآخرون، ويحوّل الصمت إلى صوت، والغياب إلى حضور. في هذا اليوم، نكرّم أولئك الذين يملكون القدرة على الإحساس العميق، والذين يعيدوننا إلى ذواتنا من خلال الجمال والخيال.

الفنان؛ ضمير المجتمع الحيّ

الفنان مرآة العالم وضميره اليقظ. يرى الزيف فيكشفه، ويُبصر الحقيقة فينطق بها بلغة الجمال. عبر التاريخ، كان الفن وسيلةً للمقاومة والاستنارة. من لوحات غويا التي واجه بها القمع، إلى قصائد الشعراء الذين أنطقوا وجع شعوبهم، ومن أنغام الحرية إلى السينما التي حاكت الواقع، ظلّ الفن شاهدًا على ضمير الإنسانية.

لكن رسالة الفنان لا تقتصر على النقد؛ بل تمتد إلى زرع الأمل. فالفن لا يصف العالم كما هو، بل كما يجب أن يكون. في زمنٍ تتراجع فيه القيم وتضيع البصائر، يبقى الفنان حافظًا للحقيقة، ومدافعًا عن الإنسان. إنه صوت الذين لا صوت لهم، ولسان الذين لا يقدرون على القول. يوم الفنان العالمي هو تكريمٌ لهؤلاء الذين يجرؤون على الحلم، والذين لا يخافون من قول الحقيقة في وجه السلطة والظلم.

الفنّ؛ جسر الإنسان نحو الخلود

كلّ عملٍ فنيّ هو محاولة لتجاوز حدود الزمن. في لحظةٍ خاطفة، يخلق الفنان شيئًا يبقى خالدًا في الذاكرة الإنسانية قرونًا بعد رحيله. هذه هي معجزة الفنّ؛ أنه يمنح الإنسان ملامح الخلود. من جداريات مصر القديمة إلى سيمفونيات بيتهوفن، ومن الخط العربي إلى المنمنمات الفارسية، كلها تشهد على شغف الإنسان بالبقاء.

الفنّ جسرٌ بين الحاضر والأبد، بين الجسد الفاني والروح الخالدة. والفنان هو الوسيط الذي يحوّل اللحظة العابرة إلى أثرٍ خالد. الفنّ لا يُخلّد الأشخاص، بل المعاني التي يحملونها. إنه ذاكرة الأمم وصوت الأزمنة. وإذا سكت التاريخ يومًا، فإن الفن سيظلّ يتكلّم. في عالمٍ سريع الزوال، يبقى الفنّ شاهدًا على أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده، بل بالجمال الذي يخلقه أيضًا.

الوجه الإنساني للفن في العصر الحديث

أكثر ما يحتاجه الإنسان المعاصر اليوم هو الفنّ. ففي زمنٍ يطغى فيه الضجيج الرقمي والبرود التكنولوجي، يصبح الفنّ الملاذ الأخير للروح. الفنّان المعاصر، بأدواته الجديدة من السينما والفنون الرقمية والموسيقى الحديثة، لا يزال يحكي حكاية الإنسان وقلقه وفرحه وألمه. غير أن جوهر الفنّ لا يتغيّر؛ لأنه يظلّ في النهاية مرآةً للإنسانية.

الفنّان اليوم رسول محبة وتواصل، يعبر الحدود ويجمع القلوب. لكنّه أيضًا يواجه تحدياتٍ قاسية؛ من تجاريّة الفنّ إلى القيود الفكرية والسياسية. ومن هنا تأتي أهمية هذا اليوم العالمي كتذكيرٍ بواجب المجتمعات في حماية حرية التعبير، ودعم الإبداع، وصون كرامة الفنان. فالمجتمع الذي يتخلّى عن الفن، يتخلّى عن روحه.

الفنان؛ صانع الأمل والجمال في عالمٍ مظلم

في عالمٍ تتكاثر فيه الحروب والأزمات، يبقى الفنان شعلةً لا تنطفئ. هو الذي يذكّرنا بأنّ الجمال لا يموت، وأنّ الحبّ لا يزال ممكنًا، وأنّ الأمل لا يزال قائمًا. الفنان يحوّل الألم إلى أغنية، والدمعة إلى لون، والهزيمة إلى معنى. تلك القدرة العجيبة على تحويل المعاناة إلى إبداع هي جوهر الفنّ الحقيقي.

الأعمال الفنية العظيمة كانت دومًا استجابةً للظلام. فالفنّان، بخلقه، يمنحنا شجاعة الرؤية، ويعيد إلينا الإيمان بقدرتنا على التغيير. في زمنٍ يغمره القلق، يدعونا الفنّ إلى التأمل والهدوء والرؤيا. إنّ يوم الفنان العالمي هو مناسبة لتكريم جميع أولئك الذين بصمتهم وألوانهم وأنغامهم يصنعون لنا عالمًا أرحم وأجمل. فالعالم بلا فنّانين، جدرانٌ صامتة؛ ومع الفنّ، كلّ جدار يتحوّل إلى نافذةٍ للنور.

الفنّان؛ باعث الحياة وصانع الغدّ

الفنّان هو رسول الحبّ والوعي، من يعيد خلق العالم بعينيه. في ضجيج الحياة، هو صوت الرفق والحكمة. الفنّ ليس مجرد انعكاسٍ للواقع، بل هو إعادة صياغةٍ له على ضوء الروح. كلّ عملٍ فنيّ هو حوارٌ بين الإنسان والكون، حوارٌ تتوحّد فيه اللغات وتلتقي فيه القلوب.

فلنكن اليوم لا متفرجين على الفنّ، بل منصتين لروحه، كما قال حافظ الشيرازي:

إذا سمعتَ حديثَ أهلِ القلوبِ فلا تقل إنّه خطأ،
فلستَ خبيرًا بالكلامِ يا روحي، والخطأُ منكَ لا منهم.

برنا العربی تتقدّم بأحرّ التهاني إلى جميع الفنانين في العالم بمناسبة اليوم العالمي للفنان (٢٥ تشرين الأول)، وتحيّي كلّ من جعل من فنه رسالةً للسلام، وجعل من الجمال طريقًا نحو الحقيقة.
كلّ عامٍ وأنتم منارات الإلهام، أحرار الفكر، وصنّاع الضوء في هذا العالم.

*انتهى*

رأيك