بمناسبة ٣١ تشرين الأول/أكتوبر؛ اليوم العالمي للمدن

اليوم العالمي للمدن؛ إعادة التفكير في مستقبلٍ حضريٍّ مستدامٍ وإنساني

|
۲۰۲۵/۱۱/۰۱
|
۱۲:۳۰:۰۳
| رمز الخبر: ۸۷۰
اليوم العالمي للمدن؛ إعادة التفكير في مستقبلٍ حضريٍّ مستدامٍ وإنساني
أمس، في الحادي والثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر، احتفل العالم مجددًا باليوم العالمي للمدن؛ يومٌ للتفكير في التحديات والفرص والمسؤوليات التي تواجه المجتمعات الحضرية في مسار التنمية المستدامة. وقد أُقيمت فعاليات اليوم العالمي للمدن (World Cities Day) هذا العام تحت شعار «مدينة أفضل، حياة أفضل»، لتذكّر بالدور المحوري للمدن في بناء مستقبلٍ عادلٍ، قابلٍ للحياة، وذكيٍّ لجميع البشر. كانت المناسبة فرصةً للمنظمات الدولية والحكومات والمواطنين لبدء حوارٍ جديدٍ حول جودة الحياة الحضرية ومسؤولية الإنسان في تطويرها.

وكالة برنا للأنباء، المدن هي السردية المعقّدة للحضارة الإنسانية؛ فيها تتشابك خيوط التاريخ والتكنولوجيا والحياة اليومية. في شوارعها، تتجاور علامات الأمل وأزمات العصر، حيث يتقاطع التقدّم مع عدم المساواة، والابتكار مع الضغط على الطبيعة. ومع ذلك، تظل المدينة نقطة التقاء أحلام الإنسان، ومكانًا يعيش فيه الناس من ثقافات مختلفة ليصنعوا مستقبلهم المشترك.

في زمننا هذا، لم يعد ممكنًا الحديث عن التنمية العالمية من دون التفكير في دور المدن. فالمدن ليست أماكن سكن فحسب، بل هي ساحات اتخاذ القرار لمستقبل الكوكب. من أزمة المناخ إلى العدالة الاجتماعية، ومن التكنولوجيا الحديثة إلى الهوية الثقافية، تتجلّى كلّ هذه القضايا في فضاء المدينة. يُعدّ اليوم العالمي للمدن فرصةً لإعادة التفكير في معنى الحياة الحضرية، وفرصةً لطرح السؤال: هل المدن، كلّما نمت، أصبحت أكثر قابلية للعيش بالنسبة للإنسان؟ وهل لا يزال الإنسان في قلب قرارات التنمية الحضرية؟ هذه الأسئلة هي ما يمنح هذا اليوم معناه الحقيقي؛ يومٌ للتأمل في المدينة التي نبنيها، وفي الحياة التي تنبض داخلها.

اليوم العالمي للمدن؛ من النشأة إلى الرسالة

أُعلن عن اليوم العالمي للمدن لأول مرة عام ٢٠١٤ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين يُحتفل به سنويًا في ٣١ تشرين الأول/أكتوبر. يشكّل هذا اليوم ختام «شهر التحضّر العالمي» (Urban October)، وهو مناسبة عالمية لتبادل الخبرات، وزيادة الوعي العام، وتعزيز التعاون بين الدول في مجال التنمية الحضرية.

هدفُ هذا اليوم هو خلق مساحةٍ للحوار حول كيفية بناء مدنٍ أكثر استدامة وذكاءً وإنسانية؛ مدنٍ تتكامل فيها التكنولوجيا مع العدالة الاجتماعية وجودة الحياة. وقد شدّدت الأمم المتحدة هذا العام على الدور الرئيس للمدن في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، مؤكّدةً أن مستقبل العالم يعتمد على سياساتٍ حضريةٍ ذكيةٍ قائمةٍ على المشاركة.

خلال السنوات الماضية، تحوّل اليوم العالمي للمدن إلى منصةٍ دولية لتبادل الأفكار والحلول. وقد عرضت مدنٌ من مختلف أنحاء العالم تجاربها في مجالات النقل النظيف، والإسكان الملائم، وحماية البيئة الحضرية، لتجعل من هذا اليوم مساحةً لتقاسم التجارب الناجحة والتحديات المشتركة.

الأهداف الرئيسة لهذا اليوم

انطلق هذا اليوم بهدف تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات الحضرية مثل تلوث الهواء، والاكتظاظ السكاني، والفقر الحضري، وتغير المناخ. كما يسعى إلى تعزيز بناء مدنٍ شاملةٍ، مرنةٍ، عادلةٍ وذكية، تضع رفاه الإنسان في مركز السياسات العامة.

ومن بين أهدافه أيضًا تشجيع الدول على الانخراط في المبادرات الأممية للتنمية الحضرية، مثل برنامج UN-Habitat الذي يركّز على الإسكان المستدام، والمساحات الخضراء، وتكافؤ فرص الوصول إلى الخدمات العامة.
ويُخصَّص كلّ عامٍ موضوعٌ جديد يعكس أبرز التحديات أو النجاحات في مجال التحضّر، مثل المناخ، أو العدالة الحضرية، أو التكنولوجيا النظيفة.

في جوهره، يُعدّ اليوم العالمي للمدن دعوةً لتعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة بين الدول والمجتمعات؛ فمصير الكوكب يُرسم في المدن، لا في المكاتب الحكومية وحدها.

موضوع عام ٢٠٢٥؛ المدن الذكية المتمحورة حول الإنسان

أُقيمت فعاليات اليوم العالمي للمدن لعام ٢٠٢٥ أمس في بوغوتا، عاصمة كولومبيا، تحت شعار «المدن الذكية المتمحورة حول الإنسان». هذا الشعار يؤكد على مركزية الإنسان في قلب التنمية التكنولوجية الحضرية. فالمقصود بالمدينة الذكية ليس تكديس البيانات والأجهزة، بل استخدام التكنولوجيا لخدمة الإنسان وتحسين نوعية حياته.

تركّزت فعاليات هذا العام على توظيف الأدوات الرقمية لتعزيز المشاركة العامة، وزيادة الشفافية في اتخاذ القرار، وتصميم المساحات الحضرية استنادًا إلى احتياجات السكان الحقيقية. المدن المتمحورة حول الإنسان تنشأ من القاعدة إلى القمة، من نبض المواطن لا من المكاتب المغلقة. وقد أكّدت الأمم المتحدة خلال الجلسات على أهمية العدالة الرقمية، والمساواة في الوصول إلى البنية التحتية الذكية، وحماية الخصوصية. كما استُعرضت تجارب مدنٍ مثل سيول، وأمستردام، وسنغافورة كنماذج ناجحة لمدنٍ ذكيةٍ إنسانيةٍ جمعت بين التكنولوجيا والكرامة البشرية.

لماذا تُعدّ المدن مهمّة؟

يعيش اليوم أكثر من نصف سكان العالم — أي ما يزيد على أربعة مليارات نسمة — في المدن، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى ٧٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠. تُعدّ المدن محرّكات الاقتصاد العالمي ومراكز الابتكار والثقافة والتعليم. لكن إلى جانب هذه الفرص، تواجه المدن تحدياتٍ كبيرة، منها التلوث، والازدحام، وعدم المساواة، ونقص السكن، والضغط على الموارد الطبيعية، وأثر التغير المناخي المتزايد.

تشكل التنمية الحضرية المستدامة أحد المفاتيح الرئيسة لمواجهة هذه التحديات. فالمجتمعات التي تخطط لمدنها على أسس العدالة الاجتماعية والإدارة البيئية الرشيدة تستطيع الحد من الفقر، وحماية البيئة، وتحسين جودة الحياة.
ولهذا السبب، تُعتبر المدن في طليعة المعركة ضد الأزمات العالمية. فمستقبل الأرض يُصاغ في قرارات البلديات والمجالس المحلية، وفي وعي المواطنين أنفسهم. المدينة، في جوهرها، ليست فقط مساحة للعيش، بل مرآةٌ لسلوك الإنسان ومؤشرٌ على مسار تطور المجتمعات.

مدينة أفضل، حياة أفضل؛ شعار للفعل لا للعرض

شعار «مدينة أفضل، حياة أفضل» الذي كان محور احتفالات الأمم المتحدة هذا العام، ليس مجرد عبارة دعائية، بل نداءٌ عالمي لإعادة التفكير في مفهوم التنمية الحضرية. فالمدينة الأفضل لا تُقاس بناطحات السحاب أو الأبراج الذكية، بل بمدى جودة الحياة التي توفّرها لسكانها جميعًا، دون استثناء.

أظهر اليوم العالمي للمدن هذا العام أن الحوار حول مستقبل التحضّر لم يعد خيارًا، بل ضرورة. فإذا لم تكن التنمية الحضرية متمحورة حول الإنسان، فإن التقدّم سيبقى شكليًا. المدن التي تُصغي إلى سكانها هي وحدها القادرة على صناعة المستقبل. وبعد انقضاء هذا اليوم العالمي، حان الوقت لكي تتحول المؤسسات البلدية، والجامعات، والمجتمعات المدنية من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التنفيذ. فمستقبل المدن مرهون بقرارات الحاضر؛ قرارات تبني مدنًا أكثر عدلاً، وخضرةً، وإنسانيةً.

رأيك