النص الكامل لبيانات قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع الطلبة والتلاميذ
وأفادت وكالة برنا للأنباء أنّ سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، قائد الثورة الإسلامية، وصف في هذا اللقاء ذكرى اقتحام السفارة الأمريكية – التي كانت مركزاً للتآمر ووضع الخطط ضد الثورة الإسلامية – في الثالث عشر من شهر آبان عام ۱۳۵۸هـ.ش (الرابع من نوفمبر ۱۹۷۹م)، بأنّها يومُ فخرٍ وانتصارٍ ويومُ انكشافِ الهوية الحقيقية للحكومة الأمريكية الاستكبارية، مؤكّداً على ضرورة تدوين هذا اليوم في الذاكرة الوطنية.
وأشار سماحته إلى سِجلّ العداء الأمريكي ضد الشعب الإيراني الذي بدأ منذ انقلاب ۲۸ مرداد ۱۳۳۲هـ.ش (۱۹۵۳م) ولا يزال مستمرّاً حتى اليوم، مؤكّداً بالقول: إنّ الخلاف بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة هو خلافٌ جوهريٌّ وذاتيّ، وصراعٌ بين مصالح تيارين متقابلين – تيار أمريكا وتيار الجمهورية الإسلامية – ولن تكون هناك إمكانية للنظر في أيّ طلب أمريكي للتعاون مع إيران، لا في المستقبل القريب ولا البعيد، إلا إذا أقدمت أمريكا على قطع دعمها الكامل للنظام الصهيوني الملعون، وسحبت قواعدها العسكرية من المنطقة، وامتنعت عن أيّ تدخّلٍ في شؤونها.
كما شدّد قائد الثورة على أنّ العلاج الجذري لكثيرٍ من مشكلات البلاد، وضمان مناعتها، يتحقّقان فقط من خلال القوّة — قوّة الإدارة، والعلم، والدفاع، والدافعية — وأنّ الحكومة يجب أن تؤدّي مهامها في المجالات ذات الصلة بكلّ اقتدارٍ وجِدّ. وفي هذا اللقاء، أوضح سماحته خلفية العداء الأمريكي ضد الشعب الإيراني وبيّن أبعاد الحادثة التاريخية لاقتحام وكر التجسّس الأمريكي في ۱۳ آبان ۱۳۵۸، قائلاً:
إنّ اقتحام السفارة الأمريكية على يد الشباب الإيراني يمكن دراسته من زاويتين: الزاوية التاريخية والزاوية الهويّاتية. وبيّن من الزاوية التاريخية أنّ يوم الثالث عشر من آبان ۱۳۵۸، والإقدام الشجاع الذي قام به الطلبة في اقتحام السفارة الأمريكية، يُعدّ يوم فخرٍ وانتصارٍ للشعب الإيراني، مذكّراً بالقول: في تاريخ إيران، كما توجد أيام النصر والعزّة، توجد أيضاً أيام الضعف والانحطاط، وكلاهما يجب أن يُحفَظ في الذاكرة الوطنية.
أشار سماحة آية الله الخامنئي إلى حادثة إلغاء الامتياز الاستعماري للتبغ على يد المرجع الكبير الميرزا الشيرازي، وكذلك إبطال اتفاقية وثوق الدولة والتغلّب على الإنجليز بجهود المرحوم السيّد حسن المدرّس ورفاقه، بوصفها نماذج مشرقة من أيام العزّة والأحداث السارّة في التاريخ المعاصر. وأوصى سماحته الطلبة والتلاميذ وأهل القراءة بالتأمّل والمطالعة والنقاش حول هذه الوقائع، قائلاً: «إلى جانب تدوين وحفظ الأحداث السعيدة، يجب أن نحذر من نسيان الوقائع المريرة، مثل الانقلاب البريطاني لعام ۱۲۹۹هـ.ش (۱۹۲۱م) على يد رضاخان، ثمّ تولّيه العرش وما تبع ذلك من كوارث ومحنٍ واستبدادٍ لا نظير له، وهيمنةٍ أجنبيةٍ على البلاد».
وأكد سماحته على ضرورة توثيق حادثة الثالث عشر من آبان عام ۱۳۵۸هـ.ش (۱۹۷۹م) واقتحام السفارة الأمريكية في التاريخ والذاكرة الوطنية، وتمكين الشعب من الاطلاع على تفاصيلها، مبيّناً في حديثه عن البُعد الهويّاتي لهذه الحادثة الكبرى أنّ: «اقتحام السفارة كشف عن الهوية الحقيقية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أظهر الهوية الأصيلة وجوهر الثورة الإسلامية».
وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى الجذر القرآني لكلمة “الاستكبار”، موضحاً أنّ معناها هو الاستعلاء والتكبّر الذاتي، وقال: «أحياناً قد يرى شخصٌ أو دولةٌ أنفسهم متفوّقين، لكنّهم لا يعتدون على مصالح الآخرين، فلا يثيرون عداءً معهم. أمّا أحياناً أخرى، كما كانت بريطانيا في الماضي والولايات المتحدة اليوم، فإنّهم يمنحون أنفسهم الحقّ في الاعتداء على المصالح الحيويّة للأمم، وفرض القرارات عليها، أو إنشاء قواعد عسكرية في بلدانٍ لا تمتلك حكوماتٍ قويّةً أو شعوباً يقظة، أو نهب نفطها وثرواتها. وهذا هو الاستكبار الحقيقي الذي نعاديه ونرفع شعاراتنا ضده».
وأوضح سماحة آية الله الخامنئي في بيانه لخلفية العداء الأمريكي ضد الشعب الإيراني قائلاً: «بعد الثورة الدستورية (المشروطة)، ولمدّة نحو أربعين عاماً، كانت إيران إمّا تعيش الفوضى والاضطراب، أو تخضع لتدخّل الدول الأجنبية، أو ترزح تحت نير الاستبداد القاسي والدكتاتورية الوحشية لرضاخان، إلى أن تولّى في حدود عام ۱۳۲۹هـ.ش (۱۹۵۰م) بفضل الله تعالى حكومة وطنية برئاسة الدكتور محمد مصدّق، التي وقفت بوجه البريطانيين واستطاعت أن تؤمّم النفط الإيراني الذي كان عملياً يُسلَّم لهم بلا مقابل تقريباً».
وأشار سماحته إلى مؤامرات بريطانيا وحلفائها لإسقاط حكومة مصدّق، مذكّراً بسذاجته وغفلته حين لجأ إلى أمريكا للتخلّص من شرّ الإنجليز، وأضاف: «لقد ابتسم الأمريكيون في وجه مصدّق، لكنّهم من وراء الستار، وبتعاونٍ مع البريطانيين، دبّروا انقلاباً، فأطاحوا بالحكومة الوطنية، وأعادوا الشاه الهارب إلى إيران».
ووصف سماحته سقوط الحكومة الوطنية بأنّه ضربة قاسية للشعب الإيراني، قائلاً: «لقد تعرّف شعبنا على الولايات المتحدة وعلى طبيعتها الاستكبارية وخطرها الحقيقي من خلال انقلاب ۲۸ مرداد ۱۳۳۲هـ.ش (۱۹۵۳م)، وبعد الانقلاب وعودة الشاه، استمرّت خمسة وعشرون سنةٍ من الدكتاتورية القاسية لمحمدرضا، بدعمٍ ومساندةٍ من أمريكا».
وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى أنّ أول مواجهةٍ أمريكيةٍ مع الثورة الإسلامية تمثّلت في قرارٍ عدائي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي، وأضاف: «بعد سماح أمريكا بدخول محمدرضا إلى أراضيها، اشتعل الغضب الشعبي في إيران؛ إذ شعر الشعب بأنّ الأمريكيين يسعون، بإيوائه هناك، إلى تكرار سيناريو انقلاب ۲۸ مرداد وتهيئة الأجواء لإعادته إلى إيران، فخرج الناس إلى الشوارع غاضبين، وكان جزء من هذه التظاهرات الشعبية، بمشاركة الطلبة، هو ما أدّى إلى اقتحام السفارة الأمريكية».
وأوضح سماحته أنّ النية الأولى للطلبة كانت البقاء في السفارة ليومين أو ثلاثة فقط، بهدف نقل غضب الشعب الإيراني إلى العالم، لكنّه أضاف: «الطلبة عثروا داخل السفارة على وثائق كشفت أنّ الأمر أعمق بكثير ممّا كانوا يتصوّرون، وأنّ السفارة الأمريكية كانت مركزاً للتآمر والتخطيط لإسقاط الثورة الإسلامية».
وبيّن سماحته أنّ العمل الطبيعي للسفارات في العالم هو جمع المعلومات وإرسالها إلى بلدانها، قائلاً: «أمّا سفارة الولايات المتحدة فلم تكن تجمع المعلومات فقط، بل كانت قد أنشأت غرفة مؤامرات تهدف إلى تنظيم فلول النظام السابق وبعض عناصر الجيش وغيرهم للتحرّك ضد الثورة، وعندما أدرك الطلبة هذه الحقيقة، احتفظوا بالسيطرة على السفارة».
ورفض سماحته تفسير حادثة اقتحام السفارة على أنّها بداية مشاكل إيران وأمريكا، قائلاً: «مشكلتنا مع أمريكا بدأت من ۲۸ مرداد ۱۳۳۲، لا من ۱۳ آبان ۱۳۵۸، بل على العكس، فإنّ اقتحام السفارة أدّى إلى كشف مؤامرةٍ وخطرٍ كبيرٍ ضد الثورة، حيث استطاع الطلبة، عبر هذا العمل المهمّ وجمع الوثائق، فضح طبيعة تلك المؤامرة وكشف حقيقتها».
اعتبر سماحة آية الله الخامنئي أن السبب الرئيس وراء العداء والمؤامرات المتعددة ضدّ الثورة الإسلامية هو أنّ لقمةً شهيةً انتُزعت من فم أمريكا، وأنّ هيمنتها على موارد إيران قُطعت، وقال: «لم يكونوا مستعدّين للتخلّي عن إيران بسهولة، ولذلك بدأوا منذ اللحظة الأولى تحرّكاتهم العدائية، ليس فقط ضدّ الجمهورية الإسلامية، بل ضدّ الشعب الإيراني بأسره». ورأى سماحته أن العداء المستمرّ لأمريكا تجاه الشعب الإيراني خلال السنوات التي تلت الثورة، يؤكّد صواب مقولة الإمام الخميني الراحل (قده) التي قال فيها: «أطلقوا كلّ صيحاتكم على أمريكا».
وأضاف: «عداوتهم لم تكن مجرّد كلمات، بل مارسوا كلّ ما أمكنهم من عقوبات، ومؤامرات، ودعمٍ لأعداء الجمهورية الإسلامية، وتحريض صدام للهجوم على إيران، وتقديم الدعم الكامل له، وإسقاط طائرةٍ مدنيةٍ إيرانيةٍ تقلّ ٣٠٠ راكب، وشنّ حربٍ إعلاميةٍ وضرباتٍ عسكريةٍ مباشرةٍ على مصالح الشعب الإيراني.
فـالطبيعة الاستكبارية لأمريكا لا تنسجم مع الطبيعة الاستقلالية للثورة الإسلامية، ولهذا فإنّ الخلاف بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية ليس خلافاً تكتيكياً أو ظرفياً، بل خلافٌ جوهريٌّ وذاتيّ».
ووصف قائد الثورة الإسلامية كلام أولئك الذين يزعمون أنّ شعار «الموت لأمريكا» هو سبب العداء الأمريكي لإيران بأنّه تحريفٌ للتاريخ، قائلاً: «هذا الشعار ليس هو ما يجعل أمريكا تُعادي شعبنا بهذا الشكل، فالمشكلة بين أمريكا والجمهورية الإسلامية هي تعارضٌ جوهريٌّ وتقابلٌ في المصالح».
وفي إشارةٍ إلى سؤال بعض الأشخاص القائلين: «لقد رفضنا الاستسلام لأمريكا، ولكن هل سيبقى انقطاع العلاقة معها إلى الأبد؟»، أجاب سماحته: «أولاً، الطبيعة الاستكبارية لأمريكا لا تقبل بشيءٍ غير الاستسلام، وهذا ما أراده جميع رؤساء أمريكا، لكنّهم لم يصرّحوا به، إلى أن جاء الرئيس الحالي فأفصح عنه، وكشف حقيقة باطن أمريكا».
ووصف آية الله الخامنئي توقّع استسلام الشعب الإيراني، وهو بهذا القدر من القدرة، والثروة، والعمق الفكري والمعرفي، والشباب الواعين والمتحمّسين، بأنّه أمرٌ عبثيّ لا معنى له، وأضاف في ختام حديثه: «لا يمكن التكهّن بما قد يحدث في المستقبل البعيد، لكن على الجميع أن يعلموا أنّ حلّ الكثير من المشكلات يكمن في أن نصبح أقوياء».
وشدّد سماحة آية الله الخامنئي على أنّه «يجب أن نصنع بلداً قويّاً»، مضيفاً: «على الحكومة أن تقوم بواجباتها في المجالات المختلفة التابعة لها، وعلى القوّات المسلّحة أن تعمل بقوّة في الأمور العسكرية، وعلى الشباب أن يجتهدوا في طلب العلم والعمل البحثي. فإذا أصبح البلد قويّاً، وشعر العدوّ بأنّه لن يجني نفعاً من مواجهة هذا الشعب القويّ، بل سيتضرّر منها، فإنّ ذلك سيمنح البلاد حصانةً حقيقية.
لذلك لا بدّ من القوّة العسكرية والعلمية والإدارية، وكذلك قوّة الدافع والحافز، خصوصاً المعنوية منها في نفوس الشباب». وفي ما يتعلّق بتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين حول الرغبة في التعاون مع إيران، أكّد سماحته قائلاً: «إنّ التعاون مع إيران لا ينسجم مع دعم أمريكا ومساعدتها للكيان الصهيوني الملعون».
وأضاف قائد الثورة الإسلامية أنّ استمرار الدعم الأمريكي الشامل للكيان الصهيوني، رغم انكشاف جرائمه وفضيحته في الرأي العام العالمي، يجعل أيّ حديثٍ عن التعاون مع إيران بلا معنى وغير مقبول، موضحاً: «إذا تخلّت أمريكا تماماً عن دعم الكيان الصهيوني، وسحبت قواعدها العسكرية من المنطقة، وتوقّفت عن تدخّلاتها، فحينها يمكن النظر في موضوع التعاون، لكنّ ذلك لا يتعلّق بالوقت الحاضر ولا بالمستقبل القريب».
وفي ختام كلمته، أوصى سماحته الشباب بـتعزيز المعرفة والوعي بالقضايا الأساسية السياسية، الماضية والحاضرة والمستقبلية، من خلال تشكيل حلقات معرفيةٍ ودراسة الأحداث المرّة والمفرحة على حدٍّ سواء، قائلاً: «يجب أن يتقدّم العلم في البلاد. قبل عدّة أعوام كانت حركتنا العلمية جيّدة جداً، لكنّها شهدت شيئاً من التراجع، وعلى مسؤولي الجامعات والباحثين والطلبة أن لا يسمحوا بانخفاض وتيرة التقدّم العلمي».
كما أكّد على ضرورة تقدّم القدرات العسكرية في البلاد، قائلاً: «القطاع العسكري، بتوفيق الله، يعمل ليل نهار ويتقدّم باستمرار، وسيواصل التقدّم أكثر فأكثر ليُظهر أن الشعب الإيراني شعبٌ قويٌّ لا يمكن لأيّ قوّةٍ أن تُخضعه أو تركّعه».
وفي هذا اللقاء، وبمناسبة ذكر السيّدة فاطمة الزهراء (ع) والسيّدة زينب الكبرى (ع)، أوصى سماحته الشباب بـالاقتداء العملي بهاتين القمّتين المضيئتين، قائلاً: «شجّعوا من حولكم على التمعّن والتعلّم من سيرة هاتين السيدتين العظيمتين».
كما اعتبر آية الله الخامنئي أنّ الصلاة الخاشعة كما يؤديها الصالحون من عباد الله، واعتبار الحجاب قضيةً دينيةً فاطميةً وزينبية، والأنس بالقرآن الكريم وتلاوته اليومية، والمحافظة على الصلة الروحية بالله، هي أمورٌ ضروريةٌ للشباب، مضيفاً: «في هذا العصر المليء بالتحدّيات، لا يستطيع الشاب أن يقول حقاً “الموت لأمريكا” ويصمد أمام طغاة العصر إلاّ إذا كان قوياً في باطنه، مؤمناً، متّكلاً على القدرة الإلهية».
وختم قائد الثورة الإسلامية بالقول إنّ استمرار الارتباط القلبي للشباب بالله تعالى هو الذي يضمن استمرار تقدّم البلاد ويزيد من قدرتها على مواجهة الأعداء.


