سؤال برنا من المواطنين الشباب:

لماذا يحظى كوروش بالمحبة؟ إجابات من الشارع إلى مهرجان السينما

|
۲۰۲۵/۱۱/۱۵
|
۱۳:۲۰:۰۲
| رمز الخبر: ۹۵۳
لماذا يحظى كوروش بالمحبة؟ إجابات من الشارع إلى مهرجان السينما
في قلب شوارع طهران المزدحمة، لا يزال اسم كوروش يتردّد بين الناس؛ اسمٌ ليس مجرد تاريخ بالنسبة لجيل اليوم، بل هو سندٌ للهوية.

بحسب مراسل برنا؛ في مساء يومٍ خريفي مزدحم، أتمشّى قرب “تئاتر المدينة”؛ المكان الذي يروي دومًا حكاياته بين أكواب الشاي عند الباعة المتجولين وخطوات المارّة السريعة. لكنّ موضوع الأحاديث هذه المرة هو كوروش الكبير؛ اسمٌ حاضرٌ بشكل لافت بين مختلف الأجيال، ولكلٍّ منهم علاقة خاصة به. فبعضهم يراه رمزًا للفخر الوطني، وبعضهم يتذكّره بعدالته وتساهله التاريخي، فيما يعتقد آخرون أنّ هذا الجانب من الهويّة الإيرانية لم يُؤخذ بجدّية كما يجب.

كوروش بالنسبة لنا “إشارة”

أول من أتحدّث معه هو «ر.ب» طالب فنون يبلغ 23 عامًا. يجلس على الدرج الحجري قرب المترو ويقول:
«كوروش بالنسبة لنا مجرّد إشارة… إلى أنّ لهذه الأرض تاريخًا نفخر به. بصراحة، لم يتحدثوا عنه كثيرًا في المدرسة، لكننا لاحقًا بحثنا نحن عنه. ورغم قلّة الحديث عنه، ازداد فضول الناس أكثر.»

بضع خطوات إلى الأمام، يتوقّف «م.ص» موظف البنك في طريق عودته إلى المنزل ويقول:
«كوروش محبوب لأنك حين تسمع اسمه تشعر أن لك جذورًا. لدينا في تاريخنا أشياء جميلة، من المؤسف أنها لا تُروى بما يكفي.»

أدخل إلى مبنى تئاتر المدينة، فتقول لي فتاة هادئة الملامح تُعرّف نفسها بـ سارا زمانی:
«كوروش بالنسبة لي ليس مجرد اسم. عندما أقرأ عنه أشعر أنّ إيران في ذلك الزمن كانت تحترم الإنسان. كأنه تذكير بأننا من أين جئنا وكيف كنّا.»

ويقف بجانبها طالبان من طلاب المسرح، من ذلك الجيل الذي لا يزال يمشي بين الحماسة والشك. يقول أحدهما:
«برأيي، يمكن صنع عمل مسرحي عن كوروش، لكنه يحتاج جرأة. يجب أن نعرف عمّ نتحدث. تاريخنا مليء بالدراما، لكن غالبًا لا يُلتفت إليه.»

وبالقرب منهم زوجان شابّان جاءا لمشاهدة مسرحية. تقول الزوجة:
«كوروش يعني الاحترام… يعني حضارة كانت تتعامل مع الإنسان بجدّية. ربما يبحث جيلنا عن هذا الإحساس المفقود؛ عن رمزٍ لعظمةٍ نسيناها.»

لماذا لم نروِ التاريخ بما يكفي؟

في سينما ملت، حيث يقام مهرجان “فيلم المدينة”، أتحدّث وسط الزحام مع كاتب سيناريو شاب. يقول:
«أعتقد أن سبب شعبية كوروش ليس فقط التاريخ، بل طريقة روايته. يشعر الناس أنّ جزءًا مهمًا من هويتهم تم تجاهله. وعندما يُصنع فيلم عن تلك الحقبة، يقبل الناس عليه بشغف لأنهم يريدون أن يعرفوا كيف كانت لدينا حضارة كهذه قبل آلاف السنين.»

يتوقف لحظة ثم يضيف:
«جيلنا يبحث عن شيء يمكنه أن يستند إليه… كوروش أحد تلك الدعامات.»

وفي الصالة نفسها، يقول «الف.ک» وهو مُمنتج أفلام:
«العمارة في ذلك العصر ما تزال لغزًا، وهذا وحده يجذب الناس. حين يرون أننا لا نملك جوابًا نهائيًا بعد، يزداد شغفهم بكوروش وتلك الحضارة…»

كان يهتم بالناس

ليلاً، في طريق العودة بسيارة أجرة، يخبرني السائق – واسمه هوشمند غلامی – بحماس عندما يعلم أنني أكتب تقريرًا عن كوروش:
«لا أقرأ كثيرًا، لكن كل ما سمعته عن كوروش أنه كان عادلاً. كان ملكًا، نعم، لكنه كان يهتم بالناس. ولهذا ما يزال محبوبًا. الناس يبحثون عن شخص يقف إلى جانبهم، حتى لو كان منذ آلاف السنين.»

ينظر عبر المرآة الخلفية ويضيف:
«لو رووا التاريخ أكثر، لما شعر الناس بهذا الضياع. لو عرفنا من أين أتينا، لفهمنا أكثر إلى أين يجب أن نذهب.»

الهويّة الإيرانية في مرآة اسمٍ واحد

ما يمكن استخلاصه من هذه الحوارات المتفرّقة صورة واضحة: كوروش ليس بالنسبة للأجيال اليوم ملكًا قديمًا فحسب؛ بل رمزٌ للجذور، وللعدل، ولقدرة الحضارة الإيرانية. إنّ محبوبية كوروش لا تأتي من الترويج له، بل من غياب الرواية، ومن بحث الناس عن هوية، وعن إحساس يقول لهم: «هذه الأرض كانت قائمة قبلنا… وستبقى بعدنا.»

في الشارع، وفي المهرجان، وحتى في سيارة الأجرة، يتحدث الناس عن كوروش باحترام. لعلّ ذلك لأنّه وسط كل هذا الازدحام والتغيّر، يذكّرهم بشيء يمكن الاتكاء عليه:
هويّة لها جذور… وما تزال حيّة.

رأيك