تجلّي ثقافة عاشوراء في الطقوس المسرحية:

من التعزية إلى حمل النخل

|
۲۰۲۵/۰۷/۰۶
|
۱۱:۵۵:۰۱
| رمز الخبر: ۱۴
في أيام الحداد على استشهاد سيد الشهداء (عليه السلام)، تُقام في مختلف المدن الإيرانية طقوس مسرحية تجمع بين المعتقد الديني والتقاليد الإيرانية.

من التعزية إلى حمل النخلبرنا – قسم الثقافة والفنون: بحسب مراسل قسم الثقافة والفنون في برنا، تُعدّ الطقوس المسرحية من أبرز مظاهر التواصل الثقافي والاجتماعي في تاريخ بلدنا، حيث تشكّلت على قاعدة المزج بين الأسطورة والدين والفن والرواية، ولم تكن مجرد وسيلة لنقل القيم الاعتقادية العميقة فحسب، بل كانت أيضاً ساحة لإعادة إحياء الذاكرة الجماعية والألم والصمود.

وفي هذا السياق، كانت واقعة عاشوراء والحداد على الإمام الحسين (عليه السلام) على الدوام من أهم الدوافع التي أنشأت العروض والطقوس المسرحية.

يعرض هذا التقرير عشرة من أبرز الطقوس المسرحية الخاصة بشهر محرم في إيران، وهي طقوس لا تعكس فكر عاشوراء فحسب، بل تمثّل أيضاً وثيقة حية على الجماليات والذاكرة التاريخية والهوية الاجتماعية للمجتمعات المحلية الإيرانية.

التعزية

تُعدّ التعزية أبرز وأشهر الطقوس المسرحية العاشورائية في إيران، وهي طقس يمتدّ عمره إلى نحو 400 عام، حيث نشأ رسمياً في العصر الصفوي. هذا العرض الديني البنيوي يُعيد تصوير واقعة كربلاء باستخدام الحوارات الشعرية، والموسيقى الطقسية، والملابس الرمزية، والأداء التمثيلي الدقيق، ويُعتبر من القلائل في الدراما الدينية بالعالم الإسلامي. التعزية لا تزال تُقام على نطاق واسع في مدن مثل سمنان، تفرش، نطنز، يزد، طهران وأصفهان، وتُعدّ حتى اليوم جزءاً حيّاً من الثقافة المسرحية الإيرانية.

الناقل

الناقل العاشورائي، مع تاريخ يتجاوز 250 عاماً، هو شكل من أشكال السرد الشفهي التقليدي في إيران، استلهم من ملحمة الشاهنامة وكرّس في شهر محرم لسرد ملاحم كربلاء. في هذا الطقس، يقوم الراوي باستخدام حركات الجسد والصوت، وأحياناً أدوات مثل العصا أو الدرع، برواية قصص كاستشهاد أبي الفضل العباس (عليه السلام) أو القاسم بن الحسن (عليه السلام) بأسلوب بطولي. هذه العروض شائعة في المقاهي والحسينيات والهيئات الدينية بمدن مثل طهران، شيراز، قزوين ومشهد.

قراءة اللوحات

يعود أصل قراءة اللوحات إلى الرسم القهوي والرواية الدينية، وهو طقس يُمارس منذ أكثر من 200 عام في إيران بأسلوب بصري-روائي. في هذا الطقس، تُعلّق لوحات كبيرة مصوَّرة عن أحداث كربلاء، ويشرح القارئ محتواها للمتفرجين. هذا الطقس حاضر في مدن عديدة مثل طهران، مشهد، أصفهان وقزوين، ويُعدّ من أكثر أشكال السرد الجماعي البصري تأثيراً في مراسم الحداد الإيراني.

تشمر

تشمر هو أحد الطقوس القديمة لدى قوميات اللور والأكراد، له جذور في تقاليد الحداد قبل الإسلام ثم اندمج لاحقاً مع مفاهيم عاشوراء. يُقام منذ قرون في لرستان، إيلام وكرمانشاه، حيث يشكّل الرجال دائرة بحركات إيقاعية مع النوح الجماعي والتعبير عن الحزن بصوت وحركة. يُجسّد هذا الطقس نقاء الحزن والعزة في العزاء، ولا يزال حياً بقوة في غرب إيران.

تلطيخ الطين

يُعدّ طقس تلطيخ الطين تقليداً قديماً بين مجتمعات اللور والبختياريين وأهالي إيلام، حيث يغطّي الرجال صباح عاشوراء أجسادهم ورؤوسهم بالطين الطبيعي، وينضمون إلى المواكب. يُعبّر هذا الطقس عن التواضع، والتسليم، والتعاطف مع أهل البيت (عليهم السلام)، ويُمارس في مدن مثل خرم آباد، كوهدشت، انديمشك، إيلام وبلدختر.

حرق الخيام

طقس حرق الخيام نشأ في العصر الصفوي كختام لطقوس التعزية، ولا يزال يُقام في مدن مثل طهران، يزد، كرمان، شاهرود وبروجرد. في هذا الطقس، تُحرق الخيام الرمزية التي تمثّل خيام أهل البيت في كربلاء في اليوم الثاني عشر من محرم، إحياءً لذكرى حرقها بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام). مشهد صامت مليء بالألم ينقل معاني عميقة عن المظلومية باستخدام الضوء والنار والصمت.

حمل الطوق

حمل الطوق هو طقس عمره نحو 300 عام، يرمز إلى حمل راية جيش الإمام الحسين (عليه السلام). تُزيَّن الأطواق المعدنية الكبيرة بالأقمشة السوداء والخضراء، ويحملها الرجال جماعياً في الشوارع. هذا الطقس يُقام في مدن دامغان، طبس، جرجان وبروجرد، ويرافقه الطبل والصنوج والحركات الجماعية في أجواء ملحمية ومنسقة.

حمل النخل

حمل النخل أو النخل‌برداري طقس يزيد عمره عن 400 عام، شائع في المناطق الصحراوية مثل يزد، أردستان، نائين، طبس وتفت. في هذا الطقس، يُجهَّز هيكل ضخم يُسمى «النخل» يرمز إلى نعش الإمام الحسين (عليه السلام)، ويُغطى بالأقمشة السوداء والمرايا والزينة الدينية، ويحمله حشد كبير من الناس. هذا الطقس يُعدّ تشييعاً رمزياً لجثمان سيد الشهداء، ويبلغ ذروته مع النواح الجماعي.

حمل الشموع

حمل الشموع من الطقوس التي تؤديها النساء غالباً بنية النذر والتوسل. هذا الطقس عمره عدة قرون، ويُقام ليالي محرم في مدن مثل كاشان، نطنز، قلبايغان وهمدان، حيث تدور النساء بشموع مضاءة حول الحسينيات أو الأضرحة بصمت وسكينة. إنه عرض صامت للحزن، مليء بالمعنى والنور والدعاء على أكبر مأساة عرفها تاريخ الإسلام.

حمل العلم

حمل العلم أو رفع الرايات أيضاً من الطقوس التي يزيد عمرها عن 400 عام، وتقام في مدن مثل أردبيل (بطقس طوي)، زنجان، خوي وشهركرد، حيث يحمل حاملون متمرسون أعلاماً ضخمة بهياكل خشبية أو معدنية في الشوارع. هذا الطقس، بما فيه من تنظيم وهيبة وحماس، صار واحداً من أهم عروض عاشوراء الرمزية في إيران.

إن طقوس عاشوراء المسرحية ليست مجرد وسيلة للحداد، بل هي أشكال متعددة لتمثيل المقاومة وصناعة الهوية في تاريخ الإسلام. هذه الطقوس رواياتٌ بلسان الناس، من الصحراء إلى الجبال، من حرق الخيام إلى حكايات الناقل، من صمت الشموع إلى صوت الطبول. الحفاظ عليها، توثيقها، وإعادة قراءتها ضرورة ثقافية للأجيال الحاضرة والقادمة، لأنها - تماماً كما تحفظ رواية عاشوراء حية - تمثّل بحد ذاتها جزءاً من السرد الثقافي لوطننا.

رأيك