من يوم الديمقراطية في إيران إلى اليوم العالمي للديمقراطية

الديمقراطية؛ الرابط بين الجمهورية والمشاركة وصناعة المستقبل

|
۲۰۲۵/۰۹/۱۵
|
۲۱:۰۳:۰۵
| رمز الخبر: ۵۰۸
الديمقراطية؛ الرابط بين الجمهورية والمشاركة وصناعة المستقبل
الديمقراطية لا تقتصر على الحضور إلى صناديق الاقتراع؛ بل هي مفهوم شامل يقوم على حق الاختيار، وتحمل المسؤولية، والشفافية، والرقابة العامة. وقد حدّدت الأمم المتحدة الخامس عشر من أيلول يوماً عالمياً للديمقراطية، لتؤكد ضرورة توسيع الهياكل التشاركية في الحكم؛ وهو المسار نفسه الذي سلكته الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ أيامها الأولى عبر إجراء الانتخابات العامة وتأسيس المؤسسات ذات الطابع الانتخابي.

وأفادت وكالة برنا للأنباء، الديمقراطية ليست مجرد مصطلح أكاديمي أو شعار سياسي؛ بل هي مفهوم حيّ وديناميكي يرسم ملامح مستقبل الشعوب وجودة حياتها الاجتماعية. من الانتخابات المحلية إلى رسم السياسات العامة، تبقى مشاركة الناس هي الحلقة الأهم في صنع القرار. في إيران والعالم، هناك تاريخان مختلفان مكرّسان لهذا المفهوم: ۱۲ شهریور (يوم الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية) و24 شهریور الموافق لـ 15 أيلول (اليوم العالمي للديمقراطية).

يوم الديمقراطية في إيران؛ الجمهورية إلى جانب الإسلام

یُصادف ۱۲ شهریور ذكرى أول انتخابات رئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد إقرار الدستور. وقد أُدرج هذا اليوم في التقويم الرسمي باسم "يوم الديمقراطية"، تخليداً لنموذج محلي للديمقراطية يجمع بين الجمهورية والإسلامية في الهيكل الرسمي للحكم.

بعكس العديد من الثورات التي ترافقت مع انسداد سياسي أو بروز أنظمة استبدادية، اختارت الثورة الإسلامية في إيران مساراً مختلفاً تمثل في المشاركة الشعبية منذ الأيام الأولى. ففي أقل من شهرين على انتصار الثورة، شارك الملايين في استفتاء لتحديد شكل النظام السياسي، وأعلنوا عبر أصواتهم قيام الجمهورية الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، نُظّمت أكثر من أربعين جولة انتخابية على المستويين الوطني والمحلي، ما يدل على التفاعل المستمر بين الشعب وآليات صناعة القرار. هذه البنية الانتخابية، ورغم كل الانتقادات، تبقى الدعامة الأساسية للجمهورية في إيران الحديثة.

 الديمقراطية الدينية؛ الجمع بين إرادة الشعب والقيم الإلهية

من المفاهيم المحورية في النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، مفهوم "الديمقراطية الدينية" الذي يسعى للجمع بين الحكم الشعبي والمرجعية الدينية. على خلاف الأنظمة العلمانية أو الأيديولوجية، يضع النموذج الإيراني صوت الشعب إلى جانب الشرعية الدينية، بحيث لا تكون الديمقراطية على الطريقة الغربية، ولا يكون الحكم الديني من دون مشاركة جماهيرية.

وقد أكد قادة الثورة الإسلامية ــ الإمام الخميني (ره) وقائد الثورة الإسلامية آية الله الخامنئي ــ مراراً على أنّ غياب الشعب يُفرغ الحكومة الإسلامية من معناها الحقيقي. وتسعى مؤسسات كـ مجلس صيانة الدستور، ومجلس خبراء القيادة، وولاية الفقيه إلى تحقيق توازن بين الإرادة الشعبية والهداية الدينية. في المقابل، تبقى تحديات تفسير النصوص، والصراع الحزبي، والتعقيدات القانونية، عناصر تُبقي النقاش حياً حول تحديث هذا النموذج وترسيخه في الحاضر والمستقبل.

اليوم العالمي للديمقراطية؛ التزام عالمي بإرادة الشعوب

في عام 2007، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 أيلول (24 شهریور) يوماً عالمياً للديمقراطية، بهدف دعم الحركات الشعبية، وحماية الحقوق المدنية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، والوقاية من الاستبداد وتركيز السلطة.

اليوم، تُجرى انتخابات حرة في أكثر من 120 دولة حول العالم، لكن الانتخابات وحدها لا تكفي لضمان الديمقراطية. تؤكد الأمم المتحدة في بياناتها السنوية على أهمية وسائل الإعلام الحرة، والمجتمع المدني النشط، واستقلال السلطات، والشفافية المالية كمقومات أساسية لأي نظام ديمقراطي. وتشمل المبادئ التأسيسية لهذا النموذج أيضًا: حماية الأقليات، وضمان حقوق الإنسان، والمشاركة الفاعلة للمرأة والشباب في عملية اتخاذ القرار. إن اليوم العالمي للديمقراطية تذكرة دائمة بأن حكم الشعب يتطلب رعاية مستمرة، وتعليماً سياسياً، وآليات فعّالة للتغذية الراجعة.

 التحديات والفرص في مسار الديمقراطية؛ بين إيران والعالم

تواجه الديمقراطية المعاصرة تحديات عدّة مثل الشعبوية، وهيمنة رأس المال، والإعلام الموجّه، وأزمة الثقة بين الشعوب ومؤسسات الحكم. كما أن التجربة الإيرانية ليست بمعزل عن هذه التحديات، بل تواجه بدورها مشكلات تراجع المشاركة الشعبية، وتسييس الفضاء العام، واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع، وبطء الاستجابة الرسمية لمطالب الناس.

في العديد من البلدان، أصبحت المشاركة السياسية مقتصرة على الحضور الموسمي للانتخابات، فيما يشعر المواطن بالاغتراب السياسي بين دورة وأخرى. لكن الديمقراطية الحقيقية تتطلب حضوراً يومياً وفعّالاً في الرقابة، والتعبئة المدنية، وبناء خطاب سياسي جديد. في إيران، تستطيع الحركات المدنية، والمجالس المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والإعلام العمومي أن تلعب أدواراً محورية في إعادة بناء المشاركة العامة. كما أن الاستخدام الذكي لتكنولوجيا المعلومات، وحملات التوعية، وتعزيز الوعي الإعلامي تشكّل جسوراً لتعميق الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين.

الديمقراطية مسؤولية جماعية وثروة وطنية

سواء في 12 شهریور الإيراني، أو في 15 أيلول العالمي، تحمل الديمقراطية رسالة واحدة: على الشعب أن يكون حاضراً في إدارة مصيره.

هذا الحضور لا يتحقق من دون وعي سياسي، وأخلاق عامة، وهياكل شفافة، وبيئة آمنة للمشاركة. وإذا لم تُصن الجمهورية بشكل صحيح، وإذا بقيت الديمقراطية شعاراً خالياً من التطبيق، فإن شرعية أي نظام سياسي ستكون عرضة للاهتزاز. إن ممارسة السياسة دون جمهور ليست سوى هندسة للسلطة، والحكم من دون مساءلة سرعان ما يفقد الثقة العامة. إن رأس مال أي نظام سياسي هو في حفاظه على روح المشاركة وثقافة احترام الشعب.

ويأتي يوم الديمقراطية كتذكير بأنّ لا مستقبل لأية أمة بلا شعبها، ولا شرعية لأي حكم بلا رضا الناس.

رأيك