اختصاصي «برنا عربي» – ١٦ سبتمبر / ٢٥ شهریور؛ اليوم الوطني للتمر في إيران

التمر؛ ثمرة التاريخ ورمز البركة في الثقافة الإيرانية والإسلامية

|
۲۰۲۵/۰۹/۱۶
|
۱۶:۴۵:۰۴
| رمز الخبر: ۵۱۷
التمر؛ ثمرة التاريخ ورمز البركة في الثقافة الإيرانية والإسلامية
تحتفل إيران في الخامس والعشرين من شهریور، الموافق للسادس عشر من سبتمبر، بـ «اليوم الوطني للتمر». مناسبة تسعى إلى تكريم هذه الثمرة المباركة التي رافقت الإنسان منذ آلاف السنين، وتسليط الضوء على قيمتها الغذائية، الاقتصادية، والثقافية، بما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية والإسلامية.

وأفادت وكالة برنا للأنباء، التمر ليس مجرد طعام عابر، بل هو جزء من هوية الشعوب التي تُقيم في المناطق الحارة والجافة. منذ آلاف السنين، ارتبطت النخلة بالإنسان كرمز للصمود والحياة في مواجهة الطبيعة القاسية. خيرٌ من الله تعالى أن منحه لنا هذه الثمرة المباركة التي تجمع بين نكهة لذيذة وفوائد غذائية جمة، وتحتفي بها القلوب قبل المطابخ. إن تخصيص يوم للاحتفاء بالتمر يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الموارد الطبيعية، ويحثّنا على الاعتزاز بهذا الإرث الذي يجمعنا ويتجاوز الحدود. إنه يوم نستطيع فيه أن نسلّط الضوء على قيم التمر التي تتخطى مجرد التغذية، لتكون جزءًا من تراثنا وهويتنا.

التمر؛ ثمرة بقدم التاريخ

تشير الدراسات الأثرية إلى أنّ زراعة النخيل تعود إلى أكثر من ستة آلاف عام، ومعها نمت فكرة التمر كمكوّن أساسي في حياة الإنسان. في حضارات مثل بابل ومصر القديمة، كان التمر يُستخدم ليس فقط للطعام، بل هدية وضيافة و عنصر احتفالي في الأعياد والمناسبات. النخلة، التي تعتبر «شجرة الحياة»، لم تكن تكتفي بتوفير الثمار، بل أيضًا الظلال والأخشاب والمواد الخام لأدوات البناء والدوام الاجتماعي. ومع تطور الزمن، حافظت المجتمعات على قيمة التمر كمكوّن أساسي في مائدتها، خصوصًا في فترات الصيام والاحتفالات الدينية، فالتمر يُفتح به الإفطار ويُوزّع على الضيوف. حتى اليوم، وعلى الرغم من وجود منتجات غذائية كثيرة، لا يزال التمر يحتفظ بلقب «الذهب البني» لما يمنحه من طاقة، قيمة غذائية، وتذوق لذيذ لا يعوض.

القيمة الغذائية

التمر يحتوي على سكريات بسيطة مثل الجلوكوز والفركتوز، مما يجعله مصدرًا سريعًا للطاقة الطبيعية. هذه السكريات تعيد تنشيط الجسم بعد فترات الصيام أو التعب. إلى جانب ذلك، يحتوي التمر على ألياف غذائية تساعد بشكل كبير على تحسين الهضم، وتقليل مشاكل الإمساك، وتحسين حركة الأمعاء. كما يُعتبر غنيًا بالعناصر المعدنية مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم، الذين يلعبان دورًا مهمًا في تنظيم ضغط الدم وصحة القلب. التمر أيضًا مصدر ممتاز للحديد، مما يجعله مفيدًا في الوقاية من فقر الدم، وخاصة عند الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية محدودة. ومضادات الأكسدة الموجودة فيه تساهم في محاربة الجذور الحرة، مما يساعد في تأخير آثار الشيخوخة والحفاظ على نضارة البشرة وصحة الخلايا. يُستخدم التمر أيضًا كمكوّن في وجبات الرياضيين، فالطاقة السريعة التي يمنحها مفيدة قبل أو بعد النشاط البدني، دون الحاجة إلى السكريات المصنعة أو المواد الصناعية.

المكانة الثقافية والدينية

النخيل والتمر ورد ذكرهما في القرآن الكريم في عدة مواضع، كدليل على نعم الله، ورمزًا للخير والبركة. قال تعالى في القرآن: «وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ» في وصف النخل والتمر. في الأحاديث النبوية يُوصى بالإفطار بالتمر، ونُقلت أنّ النبي ﷺ كان إذا أفطر، يبدأ بالتمر، وهذا الفعل ليس فقط للأثر الصحي، بل كتحبُّب للأثر الروحي والإيماني. في المجتمعات العربية، التمر هو الضيافة الأولى، فحين يدخل الضيف بيتًا، يجد التمر أول ما يُقدم إليه، تعبيرًا عن الكرم والترحيب. كما أنّه حاضر في الأفراح والمناسبات، في أعياد الميلاد، الأعراس، وزيارة الأقارب، وغيرها. علاوة على ذلك، كثير من التقاليد والرموز الشعبية تنسج حول التمر، مثل التبرك به، واعتبار أنه من البركات التي تجلب الصحة والرزق، وقد تُرِكت عبر الأجيال كجزء من التراث الممتد.

الأصناف والتنوّع

هناك آلاف الأصناف من التمر حول العالم، لكل نوع منها خصائص طعمية ومظهرية مميزة. فبعض الأصناف سهلة المضغ ناعمة القوام، وبعضها الآخر يكون يُعرض بعد تجفيفه قليلًا ليكون مجدولًا أو أكثر تماسكًا. من الأمثلة البارزة: تمر «موضبّتي» من إيران والذي يُعرف بنعومته وحلاوته الطبيعية، وتمر «بياِرِم» الذي يُلقّب أحيانًا بــ «الشوكولاتة» لمذاقه الفريد، وأنواع مثل «كَبْكاب»، «استعمران»، «زاهدي» وغيرها. التربة والمناخ تؤثران بشدة على جودة التمر؛ فدرجة الحرارة العالية مع انخفاض الرطوبة، والتربة الغنية تكون مثالية لنمو النخيل وإنتاج تمر عالي الجودة. هذا التنوع في الأصناف يمنح المستهلكين خيارات كثيرة من حيث الطعم، اللون، والقوام، ويفتح أسواقًا تصديرية مهمة. كما يُستثمر التمر في صناعات تحويلية كثيرة: تمر مجفّف، دبس، حلوى تمرية، مشروبات، مُستحضرات تجميلية تستفيد من مضادات الأكسدة، وخبراء التسويق يعملون على تحسين التغليف والعلامات التجارية لجذب المستهلكين في الأسواق العالمية.

الدور الاقتصادي والاجتماعي

في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، يعتبر النخيل والتمر من أعمدة الاقتصاد المحلي، حيث يعتمد على زراعته آلاف العائلات. التمر مصدر دخل مهم من خلال الزراعة، الانتاج، التجفيف، التعبئة، والتصدير. بعض البلدان تُصدر كميات كبيرة جدًا من التمر، مما يسهم في ميزانها التجاري. أيضًا، صناعات التمر الثانوية — مثل إنتاج الدبس، الخل، العصائر والمنتجات المصنعة — تخلق فرص عمل إضافية خاصة للنساء والشباب، وتساعد في التنمية الريفية. من جانب اجتماعي، النخلة تشكّل جزءًا من المنظر الطبيعي والتراث، وبساتين النخيل تُعتبر مناطق جذب سياحي، حيث يأتي الزائرون للتعرف على طرق الزراعة التقليدية، نقل المعارف الحرفية، والحياة المرتبطة بهذا الشجر المبارك.

إنّ التمر ثمرة تربط الماضي بالحاضر والمستقبل؛ غذاءٌ للجسد، وراحةٌ للروح، ورمزٌ للكرم والصمود. يوم التمر هو مناسبة لتقدير هذه النعمة الإلهية وتجديد العهد بالعناية بها وحمايتها للأجيال القادمة. إن التمر ليس فقط من أطعمة المائدة، بل هو جزء من هويتنا، حضارتنا، وقيمنا. دعونا نحافظ على النخلة، نثمّر التمر، وننقل هذه القيمة الغالية إلى أبنائنا كما ورثناها عن أسلافنا.

رأيك