«عَيْناها»؛ رواية الحب والسياسة في مرآة الأدب الإيراني
وكالة برنا للأنباء، " بزرك علوي"، أحد أبرز الروائيين الإيرانيين في القرن العشرين، قدّم في «عَيْناها» عملاً يمزج بين العاطفة والالتزام السياسي. الرواية التي نُشرت أول مرة عام 1952 سرعان ما اعتُبرت علامة فارقة في السرد الفارسي الحديث، ولاحقاً مع ترجمتها إلى العربية أصبحت جزءاً من الحوار الثقافي العربي–الإيراني. إدراجها في سلسلة «إبداعات عالمية» بالكويت عام 2014 منحها شرعية إضافية ورسّخ مكانتها في الذاكرة الأدبية المشتركة للمنطقة.
«عَيْناها»؛ من الرواية الفارسية إلى حضورها في العالم العربي
تُعَدّ رواية «عَيْناها» للكاتب الإيراني بزرگ علوي من أبرز الأعمال الاجتماعية–السياسية في الأدب الإيراني الحديث. صدرت عام 1952، وجمعت بين قصة حب غامضة وأجواء القمع السياسي في عهد رضا شاه. علوي، الذي كان واحداً من «مجموعة الثلاثة والخمسين» الشهيرة، أدخل خبرته الشخصية ونظرته السياسية في نسيج الرواية، ليقدّم عملاً يمزج العاطفة بالالتزام. لقد لاقت الرواية رواجاً كبيراً في إيران، لكنها لم تتوقف عند حدودها الجغرافية؛ إذ تُرجمت إلى لغات عدة، وكان أبرزها العربية التي جعلت منها جسراً أدبياً وثقافياً جديداً بين إيران والعالم العربي.
القصة؛ حب في قلب السياسة
تبدأ أحداث الرواية بلوحة رسمها الأستاذ ماكان، الرسام الثوري والمناضل السياسي الذي اعتُقِل على يد حكومة رضا شاه ومات في المنفى. اللوحة تُصوِّر امرأة غامضة بعينين مليئتين بالأسرار، وأثارت على الدوام تساؤلات عديدة. المدير، وهو راوي القصة ومدير مدرسة الفنون، ينغمس في البحث عن هوية المرأة المصوَّرة.
يقوده البحث إلى فرنغيس، سيدة من طبقة الأرستقراطية. كانت واقعة في حب الأستاذ ماكان، لكنها عاشت صراعاً داخلياً بين حبها الفردي ومكانتها الطبقية. ومن خلال اعترافاتها الطويلة للراوي، يكشف النقاب عن تفاصيل العلاقة العاطفية المعقّدة، وعن التناقضات التي عاشها المثقفون والمناضلون في تلك الحقبة.
لا تبدو الرواية قصة غرامية فحسب، بل هي أيضاً شهادة على مصير المثقفين والفنانين في إيران الاستبداد. فهي تُبرز التوتر الدائم بين العاطفة والواجب، بين الفرد والجماعة، وتجعل من قصة شخصية مدخلاً إلى قراءة التاريخ الاجتماعي والسياسي لزمن بكامله.
الترجمات إلى العربية
كانت «عَيْناها» من أوائل الروايات الفارسية التي تُرجمت إلى العربية في الثمانينيات. ظهرت الطبعات الأولى في بيروت، حيث كان المشهد الثقافي العربي منفتحاً على الأدب الإيراني. ثم نُشرت ترجمات أخرى في القاهرة، لتدخل عالم النقد والرواية في مصر التي عُرفت بتقاليدها الروائية الغنية.
غير أنّ المحطة الأبرز جاءت في عام 2014، عندما أصدر الدكتور أحمد موسى ترجمة جديدة للرواية، بمراجعة وتقديم من الدكتورة زبيدة أشكناني، ضمن العدد 402 من سلسلة «إبداعات عالمية» الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت. هذه السلسلة المرموقة تهدف إلى تعريف القارئ العربي بالأعمال الكبرى في العالم، وقد مثّل إدراج «عَيْناها» فيها اعترافاً بأهمية الرواية على الصعيد العالمي.
إلى جانب هذا الإصدار المرجعي، ظهرت نسخة أخرى مترجمة باسم أحمد حيدري في سوق الكتب بالكويت. ورغم قلة المعلومات عن ناشرها، فإن تداولها يعكس استمرار الاهتمام بالرواية. كما انتشرت نسخ رقمية على مواقع الكتب العربية، ما يدل على حضورها في الفضاء الرقمي ومطالعة شريحة واسعة من القراء العرب لها.
الصدى في المحافل العربية
استُقبلت «عَيْناها» بحفاوة في الأوساط الفكرية والثقافية العربية. في لبنان، وصفت منصة جدلية الرواية بأنها «قصة إيرانية عن الحب في زمن الديكتاتورية»، مؤكدة على شخصية فرنغيس بوصفها امرأة تحمل أسرار التاريخ وترويها من خلال عينيها. أما في مصر، فقد نشرت صحيفة اليوم السابع مراجعات عدّتها نموذجاً لرواية متعددة المستويات؛ فهي غرامية من جهة، وسياسية–اجتماعية من جهة أخرى، مما يجعلها قريبة من الجمهور العريض والنخبة المثقفة معاً.
بعض النقاد العرب شبّهوا «عَيْناها» بأعمال نجيب محفوظ وغسان كنفاني، معتبرين أنها تماثلها في الجمع بين السرد الفني والالتزام بالقضية الاجتماعية والسياسية. فيما ذهبت تحليلات أخرى إلى أبعد من ذلك، فرأت فيها انعكاساً لـ«فشل اليسار في الطبقة الأرستقراطية الإيرانية»، أي أن القارئ العربي قرأها أيضاً كوثيقة سياسية طبقية.
أما بالنسبة للقارئ العام، فقد استحوذت شخصية فرنغيس على الانتباه. فهي ليست مجرد عاشقة غامضة، بل شاهدة على تاريخ جيل بأكمله. وصورتها بدت مألوفة للقراء العرب الذين عرفوا نساءً لعبن أدواراً مهمة في الحركات التحررية والاجتماعية في بلدانهم، وهو ما أضفى على الرواية بعداً مقارناً يزيد من قربها إلى وجدانهم.
الأهمية الثقافية
تتجاوز قيمة «عَيْناها» حدود السرد المحلي لتصبح جسراً أدبياً بين إيران والعالم العربي. فقبل ترجمتها، كان معظم ما يُعرف عربياً عن الأدب الإيراني مقتصراً على الكلاسيكيات: حافظ وسعدي والفردوسي. لكن صدور هذه الرواية بالعربية أثبت أنّ الأدب الفارسي المعاصر أيضاً قادر على التعبير عن قضايا إنسانية كونية.
لقد أُدرج اسم بزرگ علوي بفضل «عَيْناها» في قائمة الأدباء الإيرانيين المعروفين عربياً، إلى جانب صادق هدايت وأحمد شاملو. وصار يُنظر إلى الرواية على أنها نموذج لـ«الأدب الملتزم»، بل واستُخدمت في بعض الجامعات العربية كنص لدراسة الأدب المقارن. وهكذا تحولت الرواية إلى مرجع للتأمل في أوجه التشابه بين تجارب الأدب المقاوم في إيران والعالم العربي.
لماذا تبقى «عَيْناها» حاضرة اليوم؟
إن رواية «عَيْناها» لبزرگ علوي، بترجمتها العربية بهذا العنوان، أصبحت واحدة من أهم الأعمال التي جمعت بين التجربة الإيرانية والعربية. فهي ليست مجرد حكاية حب، بل شهادة على التاريخ السياسي والاجتماعي لإيران، يمكن للقارئ العربي أن يرى فيها تجربته الخاصة مع الاستبداد والمقاومة. كثرة الترجمات، وتنوع النقد، واحتضانها في سلسلة مرموقة بالكويت، كلها مؤشرات على أن «عَيْناها» تجاوزت حدود الأدب الإيراني لتصبح جزءاً من المشهد الثقافي العربي. إنها رواية تُقرأ اليوم كما كانت تُقرأ قبل عقود، لأنها تحمل تجربة إنسانية مشتركة تربط بين العاطفة والحرية والفن والنضال.
*انتهى*