اختصاصي برنا العربي | دعم روسيا والصين وباكستان لإيران غيّر معادلات الضغط

آلية الزناد في عام 2025؛ لماذا لم تَعُد إيران وحدها؟

|
۲۰۲۵/۰۹/۲۸
|
۱۷:۳۵:۰۴
| رمز الخبر: ۶۳۶
آلية الزناد في عام 2025؛ لماذا لم تَعُد إيران وحدها؟
تفعيل آلية الزناد وعودة عقوبات مجلس الأمن يُوحي للوهلة الأولى بزيادة الضغوط على طهران. غير أنّ التطورات الأخيرة أثبتت أنّ الظروف لم تَعُد كما كانت بين عامي 2006 و2010. فاليوم، تقف روسيا والصين كقوتين عالميتين، وباكستان كجار إقليمي مهم، إلى جانب إيران، وهو ما أحدث انقساماً واضحاً في مجلس الأمن. هذا الانقسام الدولي يوفّر لإيران فرصة جديدة لإدارة الضغوط وفي الوقت ذاته تثبيت موقعها السياسي.

وأفادت وكالة برنا للأنباء، يشكّل الملف النووي الإيراني منذ أكثر من عشرين عاماً محوراً أساسياً في السياسة الدولية. فمن القرارات الصارمة لمجلس الأمن إلى الاتفاق التاريخي للاتفاق النووي، ثم انسحاب الولايات المتحدة منه، أظهرت كل مرحلة أنّ الضغوط الخارجية لم تُغيّر مسار طهران. واليوم، مع عودة العقوبات عبر آلية الزناد، يُطرح السؤال: هل الظروف مشابهة للماضي، أم أنّ الحقائق الجديدة ترسم لإيران أفقاً مختلفاً تماماً؟

روسيا؛ المصالح الاستراتيجية وأداة الفيتو

روسيا اليوم تختلف جذرياً عن الماضي. ففي أعوام 2006 و2010، ورغم بعض التحفّظات السياسية، وقفت موسكو إلى جانب الغرب في تمرير قرارات قاسية ضد إيران، لأنها في تلك المرحلة كانت ما تزال حريصة على عدم إحداث شرخ في علاقاتها مع أوروبا وأمريكا. لكن بعد أزمة أوكرانيا وتصاعد المواجهة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، أصبحت روسيا أكثر حاجة من أي وقت مضى إلى علاقتها مع إيران. فطهران بالنسبة لموسكو ليست شريكاً إقليمياً في غرب آسيا فحسب، بل حلقة أساسية في سلسلة مواجهة الضغوط الغربية. عقود التعاون العسكري في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ، والمشاريع المشتركة للطاقة في بحر قزوين والشرق الأوسط، والتنسيق في ملفات سوريا والقوقاز، كلها عمّقت الروابط بين موسكو وطهران. ودعم روسيا لمبادرة تأجيل العقوبات في مجلس الأمن، رغم معرفتها بأن احتمال نجاحها ضئيل، كان رسالة واضحة إلى الغرب بأنّ زمن الإجماع السابق انتهى. وإضافة إلى ذلك، تستطيع روسيا باستخدام أداة الفيتو أن تمنع صدور قرارات جديدة أشد ضد إيران، وهو ما يمنح طهران هامش أمان أكبر. هذا الدعم لا يحمل دلالة رمزية فحسب، بل يعني أيضاً أنّ موسكو ترى في إيران حليفاً يمكن الاعتماد عليه، ومستعدة لدفع الثمن السياسي للوقوف إلى جانبه.

الصين؛ الاقتصاد والطاقة والمسارات البديلة

الصين بدورها وقفت إلى جانب إيران لأسباب اقتصادية وجيوسياسية. فخلال العقود الأخيرة، تحوّلت إيران إلى أحد المورّدين المستقرّين للطاقة بالنسبة لبكين، والاتفاق الاستراتيجي لـ25 عاماً بين البلدين دليل على الرؤية الطويلة الأمد للصين. تدرك بكين جيداً أنّ عزل إيران يعني عملياً تسليم سوق ضخم وموارد طاقة هائلة إلى المنافسين الغربيين. ومن جانب آخر، لا يكتمل مشروع "الحزام والطريق" من دون مشاركة فاعلة من إيران؛ فالموقع الجغرافي الإيراني يختصر ويوفّر مساراً آمناً لربط الشرق بأوروبا. دعم الصين لمبادرة تأجيل العقوبات أثبت أنّ بكين لا تريد أن ينفرد الغرب بفرض قواعد اللعبة. كما أنّ العلاقات المصرفية والتجارية غير الرسمية التي تحتفظ بها الصين مع إيران، وإن كانت محدودة، تساعد طهران على تلبية جزء من حاجاتها الاقتصادية. علاوة على ذلك، عبر استثماراتها في البنية التحتية الإيرانية، من الموانئ إلى النقل بالسكك الحديدية، أرسلت الصين إشارة واضحة على عدم اكتراثها بالضغوط الغربية. هذا السلوك يسمح لطهران برسم آفاق جديدة لصادراتها من الطاقة والمنتجات غير النفطية، ويُساهم عملياً في التخفيف من آثار العقوبات.

باكستان؛ روابط الجوار وضرورة الموازنة

وجود باكستان إلى جانب روسيا والصين في هذا الملف له أهمية خاصة. فهذا البلد ذو الحدود الطويلة مع إيران كان دائماً مرتبطاً بحسابات أمنية وعرقية واقتصادية. وباكستان من جهة تحتاج إلى الدعم المالي الغربي، ومن جهة أخرى تربطها علاقات استراتيجية وثيقة بالصين؛ لذا فإن موقعها الجيوسياسي يفرض عليها أن توازن بين هذين القطبين. دعم إسلام آباد لمبادرة تأجيل العقوبات، حتى وإن كان على شكل تصويت واحد، حمل رسالة مهمّة لطهران: أنّها ليست وحيدة في محيطها الإقليمي، ويمكنها أن تعتمد على جيرانها لمنع عزلها الكامل. وإضافة إلى ذلك، تواجه باكستان أزمات داخلية في مجال الطاقة، ما يدفعها إلى النظر نحو التعاون الاقتصادي ونقل الطاقة من إيران. فخطوط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان ما زالت مطروحة منذ سنوات، ورغم أنّها توقفت تحت ضغط الولايات المتحدة، إلا أنها لا تزال على جدول الأعمال الثنائي. هذه الحاجة المحتملة للطاقة تجعل إسلام آباد غير راغبة في الاصطفاف ضد إيران في جميع الملفات. ومن زاوية أخرى، فإن المنافسة مع الهند تدفع باكستان إلى منع تقارب مفرط بين طهران ونيودلهي، وهو عامل آخر للحفاظ على مستوى من التعاون مع إيران.

مجلس الأمن؛ من الإجماع المطلق إلى الانقسام الواضح

أظهر التصويت الأخير في مجلس الأمن صورة واضحة عن تغيّر موازين القوى. ففي حين أنّ جميع الأعضاء الدائمين ومعظم الأعضاء غير الدائمين كانوا يصوّتون لصالح القرارات العقابية ضد إيران في أعوام 2006 و2010، نشهد اليوم أنّ ثلاث قوى رئيسية ــ روسيا والصين وباكستان ــ وقفت في وجه الغرب. هذا الانقسام يعني أنّ الأداة التقليدية للغرب في ممارسة الضغط على إيران لم تَعُد فاعلة كما في السابق. وحتى لو فُعّلت آلية الزناد من الناحية القانونية، فإنها من الناحية السياسية والرمزية أثبتت أنّ الإجماع ضد إيران قد انكسر. هذا الوضع يتيح لطهران أن تُبرز شرعية مواقفها في المحافل الدولية وأن تُشكّك في صورة "العزلة الكاملة". ومن الناحية الإعلامية أيضاً، تستطيع إيران أن تؤكد أنّه بخلاف الماضي، هناك قوى كبرى مستعدة لدفع ثمن الوقوف بجانبها. وهذا بدوره يغيّر الأجواء النفسية لأي مفاوضات مستقبلية ويجعل يد إيران أقوى في أي مقايضة محتملة.

إيران؛ الفرص الدبلوماسية في قلب الضغط

بالنسبة لإيران، تعني عودة العقوبات مواجهة تحديات جديدة، لكن في قلب هذه الضغوط تكمن فرص أيضاً. فالتقارب الأوثق مع روسيا والصين يمكن أن يوفّر لإيران هامش أمان في المجالات المالية والطاقة والعسكرية. وفي الوقت نفسه، يُظهر دعم باكستان أنّ إيران قادرة على الاعتماد على جيرانها لمنع تكرار عزلة الماضي. هذا الوضع يسمح لطهران بأن تقول بصوت أعلى في المحافل الدولية إنّ المشكلة الحقيقية تكمن في النهج الأحادي للغرب، لا في سياساتها. علاوة على ذلك، يمكن لتوسّع الانقسام في مجلس الأمن أن يمنح إيران فرصة للمشاركة النشطة في بناء تحالفات عالمية جديدة، خاصة تلك التي تتشكّل في آسيا. وهكذا، على الرغم من استمرار الضغوط الاقتصادية، فإن الوزن السياسي لإيران في المعادلات الدولية قد ارتفع، وهذا بحد ذاته يمكن أن يشكّل نقطة ارتكاز لمقاومة الموجة الجديدة من العقوبات.

الدروس المستخلصة: الضغوط لم تكسر إرادة إيران

لا شك أنّ آلية الزناد أداة ضغط بيد الغرب، ولكن كما أثبت تاريخ العقدين الماضيين، فإن الضغط وحده لم يُجبر إيران أبداً على التراجع. واليوم، رغم تفعيل هذه الآلية، تغيّرت الظروف الدولية: فروسيا والصين كقوتين عالميتين كبيرتين، وباكستان كجار إقليمي مهم، لم يَعُدْنَ في صف الغرب. هذا الانقسام في مجلس الأمن لم يُضعف فقط قدرة الإجماع الغربي، بل فتح أمام إيران آفاقاً جديدة دبلوماسياً واقتصادياً. وعليه، فإن عودة العقوبات لا تغيّر حقيقة أنّ إيران اليوم في موقع مختلف وأكثر قوة بكثير من الماضي. وهذا الاختلاف يجعل من الممكن لطهران، حتى في ظل الضغوط، أن تحقّق عبر الدبلوماسية والتحالفات الناشئة إنجازات لم يكن ممكناً تحقيقها من قبل.

رأيك