نظرة على مكانة المسنّين وتحدّياتهم وضرورة تكريمهم في المجتمع المعاصر
وكالة برنا للأنباء، منذ عام ١٩٩٠ ميلادي، أعلنت منظمة الأمم المتحدة اليوم الأول من أكتوبر «اليوم العالمي للمسنين». والهدف من هذا التسمية هو التأكيد على أهمية دور المسنين وضرورة الاهتمام بحقوقهم واحتياجاتهم في المجتمعات المختلفة. ومع ارتفاع متوسط العمر وزيادة عدد المسنين في العالم، فإنّ الاهتمام بهذه الفئة أصبح أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
وفي إيران وفي العديد من الدول الأخرى، يؤدي المسنون دور أعمدة الأسرة؛ أولئك الذين يضعون خبراتهم وتجاربهم القيمة في خدمة الأبناء والمجتمع. ولكن، إلى جانب هذه المكانة القيمة، فإنّ التحديات مثل المرض، والوحدة، والمشاكل الاقتصادية، تجعل من الضروري مضاعفة الدعم الشامل لهم.
هذا اليوم أيضاً هو فرصة لإعادة التفكير في المكانة الاجتماعية للمسنين والسعي إلى تعزيز ثقافة الاحترام والتقدير لهم. ومن الضروري أن نتذكر أنّ الشيخوخة ليست نهاية الحياة، بل مرحلة جديدة تحمل فرصاً جديدة للتجربة والتعليم ونقل القيم إلى الجيل القادم.
مكانة المسنين في الثقافة والمجتمع
في الثقافة الإيرانية، كان المسنون دائماً محل احترام وتكريم. وكلمة «الشيب» علامة على الحكمة والتجربة، ووجودهم في العائلات بركة ووحدة. وفي العديد من التقاليد، فإنّ الاستشارة مع الكبار علامة على الاحترام وطريق للاستفادة من خبراتهم.
ومع ذلك، فإنّ التغيرات السريعة في نمط الحياة واتجاه المدن أدّت أحياناً إلى زيادة المسافة بين الأجيال. وفي مثل هذه الظروف، فإنّ تذكير المجتمع بأهمية مكانة المسنين في الأسرة والمجتمع هو أمر لا يمكن إنكاره. فهم ليسوا فقط حافظي التاريخ والثقافة، بل أيضاً الرابط بين الأجيال.
ومن ناحية أخرى، فإنّ الاهتمام بالمسنين في الحقيقة هو نوع من الاستثمار الاجتماعي. فالمجتمعات التي تولي مكانة خاصة للمسنين، تساهم عملياً في إنشاء روابط اجتماعية مستمرة. هذا الاحترام المتبادل يزيد من الشعور بالأمن النفسي في المجتمع كله ويقوي ثقافة الامتنان.
التحديات أمام المسنين
المسنون في العديد من البلدان يواجهون تحديات مشتركة؛ مثل الأمراض الجسدية والمزمنة، محدودية الحركة، الشعور بالوحدة، والحرمان من المشاركة النشطة في المجتمع. كما أنّ القضايا الاقتصادية ومعاشات التقاعد غير الكافية تزيد من صعوبة حياتهم.
وفي إيران أيضاً، فإنّ العديد من المسنين بحاجة إلى المزيد من الدعم في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية والرفاه. وكذلك، فإنّ فقدان الأماكن المناسبة لقضاء أوقات فراغ المسنين يُعتبر إحدى نقاط الضعف في نظام الخدمات الاجتماعية. ويجب أن يكون الاهتمام بهذه التحديات أولوية جادة في السياسات الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ التغيرات السكانية جعلت من قضية المسنين إحدى التحديات الرئيسية لمستقبل البلاد. إنشاء التأمين الصحي المستدام، والبرامج الداعمة الخاصة، وتطوير مراكز إعادة التأهيل والرعاية هي من بين الإجراءات التي يمكن أن تحسن نوعية حياة المسنين.
دور الأسرة والمجتمع
المسنون أكثر من أي شيء آخر بحاجة إلى المحبة والاحترام والمرافقة. وجود الأسرة بجانبهم يمكن أن يخفف من العديد من المشكلات الجسدية والنفسية. وتكريم الوالدين والكبار ليس واجباً أخلاقياً ودينياً فقط، بل أيضاً عاملاً لتماسك الأسرة ونقل القيم الثقافية.
ومن ناحية أخرى، يجب على المجتمع من خلال إنشاء البنى التحتية اللازمة أن يتيح للمسنين إمكانية المشاركة النشطة في المجالات الاجتماعية. إنشاء المراكز الثقافية والرياضية والترفيهية للمسنين يمكن أن يقوي فيهم الشعور بالجدوى والحيوية.
وكذلك، فإنّ وسائل الإعلام والنظام التعليمي يمكن أن يقوموا بدور مهم في نشر ثقافة احترام المسنين وتقديم نماذج ناجحة من بينهم. وبهذا الشكل، سوف يُنظر إلى المسنين ليس كفئة بحاجة إلى دعم فقط، بل كمصدر للتجربة والمعرفة.
النظرة العالمية ومستقبل المسنين
مع زيادة متوسط عمر الإنسان، فإنّ العالم يسير بسرعة نحو «شيخوخة السكان». وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام ٢٠٥٠ ميلادي، فإنّ خُمس سكان العالم سيكونون من المسنين. هذا التغيير البنيوي يتطلب تخطيطاً دقيقاً في مجالات الصحة، والرفاه، والمشاركة الاجتماعية.
وتؤكد الأمم المتحدة في يوم المسنين العالمي أنّ حقوقهم يجب أن تكون في مركز السياسات. ومن بين هذه الحقوق: الحق في الحصول على الخدمات الصحية، العيش بكرامة، الأمن الاقتصادي، والمشاركة النشطة في المجتمع.
إنّ النظرة العالمية نحو الشيخوخة تتغير؛ فالمسنون لا يُعتبرون كفئة سلبية، بل كأشخاص نشطين ومؤثرين. والعديد من الدول تحاول من خلال توفير فرص العمل الجزئي، والأنشطة التطوعية، والتعليم مدى الحياة، أن تُبقي المسنين نشطين في المجتمع.
الكلمة الأخيرة
١٠ مهر (١ أكتوبر)، اليوم العالمي للمسنين، هو فرصة لنتذكر مجدداً أنّ المجتمع بدون حضور نشط ومحترم للمسنين سيكون ناقصاً. فهم أعمدة الأسرة، وحافظو الثقافة، ومعلمو الخبرة. فلنُعاهد في هذا اليوم أن لا نهتم فقط برعايتهم الجسدية، بل أيضاً أن نلبي احتياجاتهم الروحية والعاطفية والاجتماعية. إنّ احترام المسنين هو في الحقيقة احترام لمستقبلنا نحن. وفي النهاية، هذا اليوم يذكّرنا بأنّ الشيخوخة ليست نهاية الحياة، بل مرحلة جديدة من النموّ. وإذا استطاع المجتمع أن يضع المسنين في مكانتهم اللائقة، فسوف يستفيد من ثروة عظيمة لا بديل لها.
*انتهى*