اختصاصي برنا العربي؛ بمناسبة يوم الطبّ البيطري الوطني

الطبّ البيطري؛ فنٌّ يجمع بين العلم والعاطفة والإنسانية

|
۲۰۲۵/۱۰/۰۶
|
۱۳:۰۷:۰۱
| رمز الخبر: ۷۱۷
الطبّ البيطري؛ فنٌّ يجمع بين العلم والعاطفة والإنسانية
يُصادف الرابع عشر من شهر مهر (٦ تشرين الأول) من كل عام يوم الطبّ البيطري الوطني في إيران، وهي مناسبة لتكريم الجهود المتواصلة للنساء والرجال الذين يصونون صحّة المجتمع لا من غرف العمليات فحسب، بل من قلب المزارع والمختبرات ومزارع المواشي والبيئة الطبيعية. إنّ الأطباء البيطريين حلقة أساسية في سلسلة الصحّة العالمية، لأنّ سلامة الإنسان والحيوان والبيئة تعتمد بشكلٍ مباشر على عملهم وعلمهم.

وبحسب تقرير وكالة برنا، فإنّ الطبّ البيطري في معناه الحقيقي لا يقتصر على معالجة الحيوانات المريضة، بل هو علمٌ شامل يجمع بين الطبّ، والأحياء، والصحّة العامة، والأخلاق المهنية، وهدفه الرئيس هو ضمان صحّة المجتمع على نطاقٍ واسع. إنّ الأطباء البيطريين يقفون في الخطّ الأمامي للدفاع عن الصحّة العامة من خلال الكشف عن الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان والوقاية منها والسيطرة عليها.

في كثيرٍ من الدول، يُعتبر الطبّ البيطري الركن الثالث من أركان الصحّة، إلى جانب الطبّ البشري والصحّة البيئية. وقد برزت أهميّته في مكافحة أمراضٍ مثل إنفلونزا الطيور، والحمّى المالطية، وداء الكلب، وغيرها من الأمراض المشتركة. هؤلاء العلماء المتخصّصون لا يحمون الحيوانات فحسب، بل يحمون حياة الإنسان أيضاً.

الطبّ البيطري في التقويمين الوطني والعالمي

في عام ٢٠٠١ ميلادي، قرّرت الاتحاد العالمي للأطباء البيطريين (World Veterinary Association) تخصيص السبت الأخير من شهر نيسان (أبريل) من كلّ عام يوماً عالميّاً للطبّ البيطري. ويهدف هذا اليوم إلى تكريم الدور الحيوي للأطباء البيطريين في الحفاظ على صحّة الإنسان والحيوان والبيئة، وإلى التأكيد على التعاون الدولي من أجل مبدأ «الصحّة الواحدة» (One Health).
ويُختار في كلّ عام شعارٌ عالميٌّ خاصٌّ بهذه المناسبة لشرح أهداف ومسؤوليات المنظمات البيطرية حول العالم. أمّا شعار عام ٢٠٢٥ فهو:
«صحة الحيوان مسؤولية الجميع؛ العمل الجماعي يصنع الفرق»، وهو شعار يركّز على أهمّية التعاون والمعرفة والمسؤولية المشتركة في حماية الحياة.

وفي إيران، وبناءً على التقاليد القديمة التي تُبرز مكانة الحيوان في حياة الإنسان، اقترح العلّامة حسن تاجبخش، أحد أبرز روّاد الطبّ البيطري الإيراني، تخصيص يوم ١٤ مهر ليكون اليوم الوطني للطبّ البيطري، تحت اسم «گوش»، إله الحارس للحيوانات الأليفة في الثقافة الإيرانية القديمة. هذا الاختيار يجسّد الصلة بين التراث الثقافي والعلم الحديث، ويذكّر باحترام الإيرانيين للحياة ودور الطبّ البيطري في صونها.

الأطباء البيطريون وأمن الغذاء في البلاد

للأطباء البيطريين دورٌ أساسي في تحقيق الأمن الغذائي واستدامته. فكلّ قطعة لحمٍ تصل إلى مائدة الناس، وكلّ كوب حليبٍ يُشرب، وكلّ منتجٍ حيوانيٍّ يُستهلك، يمرّ أولاً تحت إشراف الطبيب البيطري. إنّ الرقابة على صحّة المسالخ، ومنتجات الألبان، ومراكز بيع اللحوم، ومكافحة الأمراض الحيوانية، كلّها من مهامّ هذه الفئة العلمية والفنية.

وفي أوقات الأزمات مثل تفشّي الأمراض المعدية أو ندرة المواد الغذائية، يصبح دور الطبيب البيطري أكثر حيوية. فبالمراقبة المستمرة لصحة المواشي، ومنع العدوى الثانوية، وتوعية المزارعين، يمنع الأطباء البيطريون نشوء أزمات غذائية خطيرة. من دون جهودهم المتواصلة، ستتعطّل سلسلة إمداد البروتين الحيواني في البلاد.

إضافةً إلى ذلك، يرتبط الطبّ البيطري ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الوطني، إذ إنّ سلامة الثروة الحيوانية تعني زيادة الإنتاجية، وتعزيز الصادرات، وتقليل الاعتماد على الواردات الغذائية. هذه الأبعاد المتعدّدة جعلت من الطبيب البيطري ركناً من أركان التنمية الاقتصادية، لا مجرّد ممارسٍ طبي.

دور الطبّ البيطري في الصحّة العامة والسيطرة على الأمراض

تتمثّل إحدى أهمّ رسائل الطبّ البيطري في السيطرة على الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، والتي قد تكون كارثية إن لم تُكبح في وقتٍ مبكر. وتشير الإحصاءات إلى أنّ أكثر من ٦٠٪ من الأمراض المستجدّة لدى الإنسان مصدرها الحيوانات. وفي هذا السياق، فإنّ الأطباء البيطريين هم أول من يكتشف هذه الأخطار ويتصدّى لها.

من الحمّى المالطية إلى إنفلونزا الطيور، ومن داء الكلب إلى فيروسات كورونا الحيوانية، أثبتت التجارب أنّ سلامة الإنسان لا تنفصل عن سلامة الحيوان. يعمل الأطباء البيطريون في المختبرات البحثية، والمراكز الحدودية، وشبكات الصحّة الحيوانية بدقّةٍ استثنائية لاحتواء الأمراض قبل أن تنتقل إلى البشر.

هذا الدور الحيوي جعل منظمة الصحّة العالمية (WHO) والمنظمة العالمية لصحّة الحيوان (WOAH) تدرج الطبّ البيطري ضمن إطار سياسة «الصحة الواحدة» (One Health)، والتي ترى أنّ صحّة الإنسان والحيوان والبيئة تشكّل أضلاع مثلثٍ واحد لا ينفصل.

الأطباء البيطريون وحماية البيئة

لا يقتصر دور الطبّ البيطري على الحفاظ على صحّة الإنسان والحيوان، بل يشمل أيضاً حماية التنوع البيولوجي والبيئة. فالأطباء البيطريون المتخصّصون في الحياة البرّية يراقبون الأنواع المهدّدة بالانقراض، ويعالجون الحيوانات المصابة، ويمنعون انتقال الأمراض بين الحيوانات الأليفة والبرّية، مما يساهم في حفظ التوازن البيئي.

في مناطق متعدّدة من إيران، يتعاون الأطباء البيطريون مع منظمة حماية البيئة؛ من معالجة النمر الفارسي إلى رعاية الطيور المهاجرة في المستنقعات. إنّهم يعملون بصمتٍ لكن بفعاليةٍ كبيرة كحرّاسٍ للتوازن البيئي. إضافةً إلى ذلك، ومن خلال توعية المجتمعات الريفية حول تغذية المواشي السليمة وإدارة النفايات الحيوانية، يسهمون في الحدّ من تلوّث التربة والمياه.

إنّ الطبّ البيطري اليوم يشكّل جسراً بين صحّة الحيوان واستدامة البيئة. وفي عالمٍ بات تغيّر المناخ فيه تهديداً شاملاً، أصبح دور هذه الفئة العلمية في السيطرة على الأمراض المستجدّة وحماية الأنظمة البيئية أكثر أهمية من أيّ وقتٍ مضى.

الطبّ البيطري؛ مهنة أخلاقية وإنسانية

الطبّ البيطري علمٌ يرتبط بالحبّ والالتزام بالحياة. فكلّ طبيبٍ بيطريٍّ، إلى جانب معرفته التقنية، يحمل مسؤوليةً أخلاقية تجاه المخلوقات الحيّة. إنها مهنة ممزوجة بالألم والتعاطف، لأنّ الحيوان لا يستطيع أن يعبّر عن ألمه، وعلى الطبيب أن يفهمه بعلمه وخبرته وإحساسه.

من معالجة حيوانٍ أليف إلى تلقيح آلاف رؤوس الماشية بين العشائر، كلّ مهمةٍ للطبيب البيطري مزيجٌ من العلم والصبر والعاطفة. هذا البعد الإنساني هو ما يجعل الطبّ البيطري مهنةً متميّزة عن سائر المهن.

في أصعب الظروف، من حرّ الصحراء إلى برد الجبال، يواصل الأطباء البيطريون أداء واجبهم بإيمانٍ وتفانٍ. الطبيب البيطري ليس معالجاً فحسب، بل معلّمٌ للرحمة والاهتمام بالحياة. إنّ احترام الحيوانات وصون كرامتها جزءٌ لا يتجزّأ من هوية هذه المهنة النبيلة.

الطبّ البيطري، أوسع من معالجة الحيوانات

يوم الطبّ البيطري الوطني هو يوم الامتنان للأبطال الذين يحرسون صحّة المجتمع بصمتٍ وتفانٍ. إنّهم أولئك الذين لا يُرون كثيراً، لكنّ أثرهم حاضرٌ في تفاصيل حياتنا اليومية، من الطعام الذي نأكله إلى البيئة التي نعيش فيها.

علينا اليوم أن نقدّر جهود الأطباء البيطريين والأساتذة والطلاب والعاملين في هذا المجال، الذين يصونون الحياة والصحّة بالتخصّص والإخلاص والعلم. من دونهم، لن يكون هناك نظام صحّي أو زراعي مستدام.

وباسم وكالة برنا العربية، نتقدّم بأحرّ التهاني إلى جميع الأطباء البيطريين والعاملين في مجال صحّة الحيوان في إيران، متمنّين لهم دوام العزّة والرفعة والنجاح في خدمة الحياة والصحّة والإنسانية.

* انتهى*

رأيك