أطول ليلة في السنة؛ إرثٌ حيٌّ صمد عبر القرون

ليلة يلدا؛ احتفالٌ خالد بالنور، والصبر، ولمّة الأحبّة

|
۲۰۲۵/۱۲/۱۸
|
۱۰:۴۰:۰۲
| رمز الخبر: ۱۱۵۴
ليلة يلدا؛ احتفالٌ خالد بالنور، والصبر، ولمّة الأحبّة
تمثّل ليلة يلدا، أطول ليالي السنة، في الثقافة الإيرانية رمزًا لانتصار النور على الظلام، والأمل على الانتظار. هذه الليلة ذات الجذور الضاربة في عمق التاريخ الإيراني، ظلّت عبر القرون مناسبةً لالتقاء العائلات، وإحياء التقاليد، وتكريم الروابط الإنسانية.

وكالة برنا للأنباء- ليلة يلدا ليست مجرّد أطول ليلة في التقويم؛ بل هي وقفة في تسارع الحياة. ليلةٌ يبلغ فيها الظلام ذروته ليمنح للنور معنى أعمق. يلدا هي حكاية صبر الإنسان في مواجهة الشتاء؛ ليلة يولد من رحمها الأمل بالطلوع، ويقترب فيها الناس من بعضهم بعضًا بحثًا عن الدفء.
في عالمٍ تتّسع فيه المسافات يومًا بعد يوم، ما زالت يلدا ذريعةً للقاء؛ للجلوس معًا، وللإصغاء، وللتذكير بأن النور — مهما تأخّر — لا بدّ أن يأتي.
يلدا؛ من الجذور القديمة إلى حياة اليوم
كلمة «يلدا» ذات أصل سرياني وتعني «الميلاد»، وقد ارتبطت في الثقافة الإيرانية بميلاد الشمس من جديد. وكان الإيرانيون القدماء يرون في هذه الليلة نهاية أطول فترات الظلام وبداية المسار التدريجي لعودة الضوء.
ورغم مرور قرون طويلة على نشأة هذا التقليد، ما زالت يلدا حيّة؛ لا بوصفها طقسًا فحسب، بل بوصفها مفهومًا ثقافيًا. واليوم، تشكّل يلدا جسرًا بين الماضي والحاضر، ودليلًا على أن التقاليد، حين تتجذّر في حياة الناس، لا تزول.
قد تتغيّر أشكال الاحتفال بيلدا في البيوت المعاصرة، لكن روحها — روح الاجتماع والمشاركة — ما زالت ثابتة.
مائدة يلدا؛ لغة الرموز والمعاني
مائدة يلدا ليست مجرّد مجموعة من الأطعمة؛ فكلّ عنصر فيها يحمل دلالة ومعنى. الرمان بحبوبه الحمراء يرمز إلى الولادة والبركة، والبطيخ يذكّر بحرارة الصيف وأمنية السلامة في برد الشتاء، أمّا المكسّرات فهي رمز للوفرة والألفة.
هذه الرموز، من دون كلام، تنقل رسالة واحدة: الحياة مستمرّة، حتى في قلب البرد والظلام. والجلوس حول هذه المائدة يشبه حوارًا صامتًا بين الأجيال، تنتقل فيه الثقافة من الماضي إلى المستقبل.
وفي زمنٍ طغت فيه النزعة الاستهلاكية على كثير من المناسبات، ما زالت مائدة يلدا تحمل المعنى قبل المظهر.
 الحكاية، والشعر، وحافظ؛ يلدا ولغة القلب
لا تكتمل يلدا من دون الحكايات والشعر. قصص الجدّات، والذكريات القديمة، وقراءة الفأل من ديوان حافظ، جميعها عناصر تُبقي روح هذه الليلة حيّة. ديوان حافظ في يلدا ليس كتاب شعر فحسب، بل جسرًا بين القلوب؛ مناسبة للتأمّل، والابتسام، واستحضار الأمل.
أخذ الفأل ليس توقّعًا للمستقبل بقدر ما هو حوار مع الذات. فكل بيت شعري نافذة إلى الصبر، أو الحب، أو الرجاء؛ وهي القيم نفسها التي تسعى يلدا إلى تذكيرنا بها.
وفي ليلة يطول فيها الزمن، يمنح الشعر اللحظات معنى ودفئًا.
 يلدا في عالم اليوم؛ تقليد لإحياء الروابط الإنسانية
في عالمٍ حديثٍ حلّت فيه الحياة الرقمية أحيانًا محلّ اللقاءات الحقيقية، تأتي يلدا فرصةً للعودة إلى التواصل الإنساني. ليلةٌ تُوضع فيها الهواتف جانبًا، وتلتقي فيها النظرات بدل الشاشات.
تذكّرنا يلدا بأن الاحتفالات ليست للفرح فقط، بل لإضفاء المعنى على الحياة. إنها مناسبة للمصالحة، وللإصغاء، وللبوح بما ضاع بين ازدحام الأيام.
وحتى إن اتّسعت المسافات، تذكّرنا يلدا بأن القلوب ما زالت قادرة على الاقتراب.
يلدا؛ وعدُ النور
ليلة يلدا، قبل كل شيء، وعد؛ وعد بنهاية الظلام. إنها تقول لنا إن لا شتاء يدوم، ولا ليل يطول إلى الأبد.
تعلّمنا يلدا أن الأمل، أحيانًا، ليس سوى الصبر قليلًا أكثر؛ تمامًا كأطول ليلة في السنة، التي ما إن تنتهي، حتى يبدأ مسار عودة الشمس.
يلدا مباركة؛
على أمل نورٍ هو دائمًا في الطريق

رأيك